فائدة
قال الشيخ الشنقيطى :
قوله تعالى :﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾
هذه الآية الكريمة تدل على أن الهاوية وصف لا علَم للنار إذ تنوينها ينافي كونها اسما من أسماء النار يلزم فيها المنع من الصرف للعلمية والتأنيث، وقوله تعالى :﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ﴾ يدل على أن الهاوية من أسماء النار.
اعلم أولا أنّ في معنى قوله تعالى :﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ ثلاثة أوجه للعلماء، اثنان منها لا إشكال في الآية عليهما، والثالث هو الذي فيه الإشكال المذكور، أمّا اللذان لا إشكال في الآية عليهما فالأول منهما أن المعنى ﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ أي أمّ رأسه هاوية في قعر جهنم ؛ لأنه يطرح فيها منكوسا رأسه أسفل ورجلاه أعلا، وروي هذا القول عن قتادة وأبي صالح وعكرمة والكلبي وغيرهم، وعلى هذا القول فالضمير في قوله :﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ﴾ عائد إلى محذوف دلّ عليه المقام أي أم رأسه هاوية في نار وما أدراك ما هيه نار حامية.
والثاني : أنه من قول العرب إذا دعَوا على الرجل بالهلكة قالوا :"هوت أمه" لأنه إذا هوى أي سقط وهلك فقد هوت أمه ثكلا وحزنا، ومن هذا المعنى قول كعب بن سعد الغنوي :
هوت أمه ما يبعث الصبح غاديا
يؤوب وماذا يرد الليل حين
وهذا القول رواية أخرى عن قتادة، وعلى هذا القول فالضمير في قوله :﴿هِيَهْ﴾ للداهية التي دلّ عليها الكلام، وذكر الألوسي في تفسيره أن صاحب الكشف قال : إنّ هذا القول أحسن، وأن الطيبي قال : إنه أظهر، وقال هو : وللبحث فيه مجال.
الثالث الذي فيه إشكال : أنّ المعنى ﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ أي مأواه الذي يحيط به ويضمّه هاوية وهي النار ؛ لأن الأمّ تؤوي ولدها وتضمّه، والنار تضمّ هذا العاصي وتكون مأواه.