وأخرج ابن المبارك عن سعيد بن جبير أنه قيل له : هل يأتي الأموات أخبار الأحياء؟ قال : نعم، ما من أحد له حميم إلا يأتيه أخبار أقاربه، فإن كان خيراً سرّ به وفرح به، وإن كان شراً ابتأس لذلك وحزن، حتى إنهم ليسألون عن الرجل قد مات فيقال : ألم يأتكم؟ فيقولون : لقد خولف به إلى أمه الهاوية.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : مر عيسى عليه السلام بقرية قد مات أهلها إنسها وجنها وهوامها وأنعامها وطيورها، فقام ينظر إليها ساعة، ثم أقبل على أصحابه فقال : مات هؤلاء بعذاب الله، ولو ماتوا بغير ذلك ماتوا متفرقين، ثم ناداهم : يا أهل القرية. فأجابه مجيب : لبيك يا روح الله. قال : ما كان جنايتكم؟ قالوا عبادة الطاغوت وحب الدنيا. قال : وما كانت عبادتكم الطاغوت؟ قال : الطاعة لأهل معاصي الله تعالى. قال : فما كان حبكم الدنيا؟ قالوا : كحب الصبيّ لأمه. كنا إذا أقبلت فرحنا، وإذا أدبرت حزنا مع أمل بعيد وإدبار عن طاعة الله وإقبال في سخط الله. قال : وكيف كان شأنكم؟ قالوا : بتنا ليلة في عافية وأصبحنا في الهاوية. فقال عيسى : وما الهاوية؟ قال : سجين. قال : وما سجين؟ قال : جمرة من نار مثل أطباق الدنيا كلها دفنت أرواحنا فيها. قال : فما بال أصحابك لا يتكلمون؟ قال : لا يستطيعون أن يتكلموا ملجمون بلجام من نار. قال : فكيف كلمتني أنت من بينهم؟ قال : إني كنت فيهم ولم أكن على حالهم، فلما جاء البلاء عمني معهم، فأنا معلق بشعرة في الهاوية لا أدري أكردس في النار أم أنجو.
فقال عيسى : بحق أقول لكم لأكل خبز الشعير وشرب ماء القراح والنوم على المزابل مع الكلاب كثير مع عافية الدنيا والآخرة.