(كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) أي ارتدعوا عن تغريركم بأنفسكم، فإنكم لو تعلمون عاقبة أمركم لشغلكم ذلك عن التكاثر، وصرفكم إلى صالح الأعمال، وإنّ ما تدعونه علما ليس فى الحقيقة بعلم، وإنما هو وهم وظن لا يلبث أن يتغير، لأنه لا يطابق الواقع، والجدير بأن يسمى علما هو علم اليقين المطابق للواقع، بناء على العيان والحس، أو الدليل الصحيح الذي يؤيده العقل، أو النقل الصحيح عن المعصوم صلى اللّه عليه وسلم.
وإنما ذكر سبحانه هذا زيادة فى زجرهم لتغريرهم بأنفسهم، فقد جرت عادة الغافلين أنهم إذ ذكّروا بعواقب حالهم أن يقولوا : إنهم يعلمون العواقب، وأنهم فى منتهى اليقظة وسداد الفكرة.
ثم ذكر لهم بعض ما ينهى إليه هذا اللهو، وهو عذاب الآخرة بعد خزى الدنيا فقال :
(لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) أي إن دار العذاب التي أعدت لمن يلهو عن الحق لا ريب فيها ولترونّها بأعينكم، فاجعلوا صورة عذابها حاضرة فى أذهانكم، لتنبهكم إلى ما هو خير لكم مما تلهون به.
والمراد برؤية الجحيم ذوق عذابها، وهذا استعمال شائع فى الكتاب الكريم.
ثم كرر ذلك للتأكيد فقال :
(ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) أي لترونها رؤية هى اليقين نفسه، إلى أي دين أو إلى أي شخص كانت نسبتكم فلتتقوا اللّه ربكم، ولتنتهوا عما يقذف بكم فيها، ولتنظروا إلى ما أنتم فيه من نعمة، ولترعوا حق اللّه فيها، فاستعملوها فيما أمر أن تستعمل فيه، ولا تجترحوا السيئات وتقترفوا المنكرات، إنكم لتمنون أنفسكم بأنكم ممن يعفو اللّه عنهم، ويزحزحهم من النار بمجرد نسبتكم إلى الدين الإسلامى وتلقيبكم بألقابه، مع مخالفتكم أحكام القرآن وعملكم عمل أعداء الإسلام.
ثم شدد عليهم وزاد فى تأنيبهم فقال :


الصفحة التالية
Icon