وقال الشيخ سيد قطب :
سورة التكاثر
هذه السورة ذات إيقاع جليل رهيب عميق وكأنما هي صوت نذير، قائم على شرف عال. يمد بصوته ويدوي بنبرته. يصيح بنوم غافلين مخمورين سادرين، أشرفوا على الهاوية وعيونهم مغمضة، وحسهم مسحور. فهو يمد بصوته إلى أعلى وأبعد ما يبلغ :
(ألهاكم التكاثر. حتى زرتم المقابر)..
أيها السادرون المخمورون. أيها اللاهون المتكاثرون بالأموال والأولاد وأعراض الحياة وأنتم مفارقون. أيها المخدوعون بما أنتم فيه عما يليه. أيها التاركون ما تتكاثرون فيه وتتفاخرون إلى حفرة ضيقة لا تكاثر فيها ولا تفاخر.. استيقظوا وانظروا.. فقد(ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر).
ثم يقرع قلوبهم بهول ما ينتظرهم هناك بعد زيارة المقابر في إيقاع عميق رزين :
(كلا سوف تعلمون).. ويكرر هذا الإيقاع بألفاظه وجرسه الرهيب الرصين :
(ثم كلا سوف تعلمون). ثم يزيد التوكيد عمقا ورهبة، وتلويحا بما وراءه من أمر ثقيل، لا يتبينون حقيقته الهائلة في غمرة الخمار والاستكثار :
(كلا لو تعلمون علم اليقين).. ثم يكشف عن هذه الحقيقة المطوية الرهيبة :
(لترون الجحيم).. ثم يؤكد هذه الحقيقة ويعمق وقعها الرهيب في القلوب :
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨)
(ثم لترونها عين اليقين)..
ثم يلقي بالإيقاع الأخير، الذي يدع المخمور يفيق، والغافل يتنبه، والسادر يتلفت، والناعم يرتعش ويرتجف مما في يديه من نعيم
(ثم لتسألن يومئذ عن النعيم)!
لتسألن عنه من أين نلتموه ؟ وفيم أنفقتموه ؟ أمن طاعة وفي طاعة ؟ أم من معصية وفي معصية ؟ أمن حلال وفي حلال ؟ أم من حرام وفي حرام ؟ هل شكرتم ؟ هل أديتم ؟ هل شاركتم ؟ هل استأثرتم ؟
(لتسألن)عما تتكاثرون به وتتفاخرون.. فهو عبء تستخفونه في غمرتكم ولهوكم ولكن وراءه ما وراءه من هم ثقيل !