أخذ منه من قال : أن تفاخرهم، حملهم على الذهاب إلى المقابر ليتكاثروا بأمواتهم، كما في أخبار أسباب النزول المتقدمة.
والصحيح في زرتم المقابر : يعني متم : لأن الميت يأتي القبر كالزائر لأن وجوده فيه مؤقتاً.
وقد روي : أن أعرابياً سمع هذه الآية، فقال : بعثوا ورب الكعبة، فقيل له في ذلك، فقال : لأن الزائر لا بد أن يرتحل.
تنبيه
قد بحث بعض العلماء مسألة زيارة القبور هنا لحديث :" كنت نهيتكم عن زيادة القبور، ألا فزوروها فإنها تزهِّد في الدنيا وتذكِّر في الآخرة ".
وقالوا : إن المنع كان عاماً من أجل ذكر مآثر الآباء والموتى، ثم بعد ذلك رخص في الزيارة، واختلفوا فيمن رخص له. فقيل : للرجال دون النساء لعدم دخولهن في واو الجماعة في قوله :" فزوروها ".
وقيل : هو عام للرجال وللنساء، واستدل كل فريق بأدلة يطول إيرادها.
ولكن على سبيل الأجمال لبيان الأرجح، نورد نبذة من البحث.
فقال المانعون للنساء : إنهن من أصل المنع، ولم تشملهن الرخصة، ومجيء اللعن بالزيارة فيهن. وقال المجيزون : إنهن يدخلن ضمناً في خطاب الرجال، كدخولهن في مثل قوله :﴿ وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة ﴾ [ البقرة : ٤٣ ]، فإنهن يدخلن قطعاً.
وقالوا : إن اللعن المنوه عنه جاء في الحديث بروايتين رواية :" لعن الله زائرات القبور ".
وجاء " لعن الله زوَّارات القبور والمتَّخذات عليهن السرج " إلى آخره.
فعلى صيغة المبالغة : زوَّارات لا تشمل مطلق الزيارة، وإنما تختص للمكثرات، لأنهن بالإكثار لا يسلمن من عادات الجاهلية من تعداد مآثر الموتى المحظور في أصل الآية.
أما مجرد زيارة بدون إكثار ولا مكث، فلا.
واستدلوا لذلك بحديث عائشة رضي الله عنها لما ذكر لها ﷺ، السلام على أهل البقيع، فقالت :" وماذا أقول يا رسول الله، إن أنا زرت القبور؟ قال :" قولي : السلام عليكم آل دار قوم مؤمنين " الحديث.