فأقرها ﷺ، على أنها تزور القبور وعلمها ماذا تقول إن هي زارت.
وكذلك بقصة مروة على المرأة التي تبكي عند القبر فكلَّمها، فقالت : إليك عني : وهي لا تعلم من هو، فلما ذهب عنها قيل لها : إنه رسول الله ﷺ، جاءت تعتذر فقال لها، " إنما الصبر عند الصدمة الأولى ".
ولم يذكر لها المنع من زيارة القبور، مع أه رآها تبكي.
وهذه أدلة صريحة في السماح بالزيارة. ومن ناحية المعنى، فإن النتيجة من الزيارة للرجال من في حاجة إليها كذلك، وهي كون زيارة القبور تزهِّد في الدنيا وترغِّب في الآخرة.
وليست هذه بخاصة في الرجال دون النساء، بل قد يكن أحوج إليه من الرجال.
وعلى كل، فإن الراجح من هذه النصوص والله تعالى أعلم، هو الجواز لمن يكثرن ولا يتكلمن بما لا يليق، مما كان سبباً للمنع الأول، والعلم عند الله تعالى.
تنبيه آخر
من لطائف القول في التفسير، ما ذكره أبو حيان عن التكاثر في قوله :﴿ حتى زُرْتُمُ المقابر ﴾ [ التكاثر : ٢ ]، ما نصه :
وقيل هذا تأنيب على الإكثار من زيارة، تكثيراً بمن سلف وإشادة بذكره، وكان رسول الله ﷺ نهى عن النواويس عليها، أي الفوانيس، وهي السرج.
ثم قال أبو حيان : وابن عطية : لم ير إلا قبور أهل الأندلس، فكيف لو رأى ما يتباهى به أهل مصر في مدافنهم بالقرافة الكبرى والقرافة الصغرى، وباب النصر وغير ذلك. وما يضيع فيها من الأموال، لتعجب من ذلك ولرأى ما لم يخطر ببال.
وأما التباهي بالزيارة : ففي هؤلاء المنتمين إلى الصوفية أقوام ليس لهم شغل إلا زيارة القبور : زرت قبر سيدي فلان بكذا، وقبر فلان بكذا، والشيخ فلاناً بكذا، فيتذكرون أقاليم طافوها على قدم التجريد.
وقد حفظوا حكايات عن أصحاب تلط القبور وأولئك المشايخ، بحيث لو كتبت لجاءت أسفاراً. وهم مع ذلك لا يعرفون فروض الوضوء ولا سننه.


الصفحة التالية
Icon