وإن منكم إلا واردها ولكن هذه الرؤية أخص، كما في قوله :﴿ وَرَأَى المجرمون النار فظنوا أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا ﴾ [ الكهف : ٥٣ ]، أي أيقنوا بدليل قوله :﴿ وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً ﴾ [ الكهف : ٥٣ ].
وقد يبدو وجه في هذا المقام، وهو أن الرؤية هنا للنار نوعان :
الرؤية الأولى : رؤية علم وتيقن، في قوله :﴿ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليقين ﴾، علماً تستيقنون به حقيقة يوم القيامة لأصبحتم بمثابة من يشاهد أهواله ويشهد بأحواله، كما في حديث الإحسان :" أَن تعبد الله كأنك تراه ".
وقد وقع مثله في قصة الصديق لما أخبر نبأ الإسراء، فقال :" صدق محمد، فقالوا : تصدقه وأنت تسمع منه؟ قال : إني لأصدقه على أكثر من ذلك ".
فلعلمه علم اليقين بصدقه ﷺ فيما يخبر، صدق بالإسراء كأنه يراه.
وتكون الرؤية الثانية، رؤية عين ومشاهدة، فهو عين اليقين.
وقد قدمنا مراتب العلم الثلاث : علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين.
فالعلم : ما كان عن دلائل.
وعين اليقين : ما كان عن مشاهدة.
وحق اليقين : ما كان عن ملابسة ومخالطة، كما يحصل العلم بالكعبة، ووجهتها فهو علم اليقين، فإذا رآه فهو عين اليقين بوجودها، فإذا دخلها وكان في جوفها فهو حق اليقين بوجودها. والله تعالى أعلم.
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨)
أصل النعيم كل حال ناعمة من النعومة والليونة، ضد الخشونة واليبوسة، والشدائد، كما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله ﴾ [ النحل : ٥٣ ].
ثم قال :﴿ إِذَا مَسَّكُمُ الضر فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾ [ النحل : ٥٣ ]، فقابل النعمة بالضر.
ومثله قوله تعالى :﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السيئات عنيا ﴾ [ هود : ١٠ ].