فائدة
قال الإمام السبكى :
قَوْله تَعَالَى ﴿ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ ﴾ سَأَلَ سَائِلٌ عَنْ هَذَا التَّرْتِيبِ، إنْ كَانَ مِنْ تَرْتِيبِ الْجُمَلِ بِمَعْنَى أَنَّهُ أَقْسَمَ عَلَى رُؤْيَتِهَا ثُمَّ أَقْسَمَ عَلَى رُؤْيَتِهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ثُمَّ أَقْسَمَ عَلَى السُّؤَالِ فَوَاضِحٌ ؛ لَكِنَّهُ لَيْسَ الْمُتَبَادِرَ إلَى الْفَهْمِ مِنْ الْآيَةِ، فَإِنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَكُونُ التَّرْتِيبُ فِي الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ بَلْ فِي نَفْسِ الْمُقْسِمِ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ الْآيَةِ أَنَّهُ فِي الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ طَرِيقٍ لِتَحْقِيقِ هَذَا الْمُتَبَادَرِ، وَالْقَسَمُ إنْشَاءٌ لَا يَقْبَلُ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الضَّرْبَيْنِ، بَلْ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهُمَا مَعًا أَوْ يَضْرِبَ عَمْرًا ثُمَّ زَيْدًا، فَإِنَّهُ إنَّمَا رَتَّبَ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ لَا بَيْنَ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِمَا.
فَالْوَجْهُ فِي فَهْمِ الْآيَةِ أَنْ نَقُولَ " ثُمَّ " دَالَّةٌ عَلَى تَأَخُّرِ مَا بَعْدَ رُؤْيَةِ الْجَحِيمِ الْأُولَى، وَكَأَنَّهُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْجَحِيمِ ﴿ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ﴾ وَلَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَقُولَ إنَّ " بَعْدَ " ظَرْفٌ مُقَدَّمٌ لِأَنَّ الْقَسَمَ لَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ فَلَا يَعْمَلُ مَا بَعْدَهُ فِيمَا قَبْلَهُ لَكِنَّا نَقُولُ هُوَ ظَرْفٌ لِمَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَى الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ ﴿ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ﴾ وَاَللَّهِ وَهَكَذَا التَّقْدِيرُ فِي الْجُمْلَةِ الثَّالِثَةِ.


الصفحة التالية
Icon