ولما كان هذا توعداً على التكاثر لأنه يقتضي الإعراض عن الآخرة فيوقع في غمرات البلايا الكبار، أكد فقال مفخماً له بحرف التراخي :﴿ثم لترونها﴾ وعزة الله، ورقي العلم عن رتبة الأول فقط فقال تعالى :﴿عين اليقين﴾ أي الرؤية التي هي نفس اليقين، وذلك هو المعاينة بغاية ما يكون من صفاء العلم لكونه لا ريبة فيه فإن المشاهدة أعلى أنواع العلم، قال الرازي : وهو المغني بالاستدراك عن الاستدلال، وعن الخبر بالعيان، وخرق الشهود حجاب - العلم - انتهى.
ويجوز أن يكون هذا الثاني بالملامسة والدخول، فالمؤمن وارد والكافر خالد.
ولما كان من أهول الخطاب التهديد برؤية العذاب، زاد في التخويف بأنه لأجل أن يكون ما يعذب به العاصي عتيداً، فإذا أوجب السؤال النكال كان حاضراً لا مانع من إيقاعه في الحال، ولو لم يكن حاضراً كان لمن استحقه في مدة إحضاره محال، فقال مفخماً بأداة التراخي :﴿ثم﴾ أي بعد أمور طويله عظيمة مهولة جداً ﴿لتسئلن﴾ وعزتنا ﴿يومئذ﴾ أي إذ ترون الجحيم ﴿عن النعيم﴾ أي الذي أداكم التكاثر إليه حتى عن الماء البارد في الصيف والحار في الشتاء هل كان استمتاعكم به على وجه السرف لإرادة الترف أو كان لإرادة القوة للنشأة إلى الخير فلم يخرج عن السرف، فالمؤمن المطيع يسأل سؤال تشريف، والعاصي يسأل سؤال توبيخ وتأفيف، ولام النعيم قد تكون لمطلق الجنس وإليه يشير حديث أبي هرير ـ رضى الله عنه ـ عند الترمذي وغيره أن النبي ـ ﷺ ـ ضاف أبا الهيثم بن التيهان مع أبي بكر وعمر ـ رضى الله عنهما ـ فأطعمهم بسراً ورطباً وسقاهم ماء بارداً وبسط لهم بساطاً في ظل، فقال النبي ـ ﷺ ـ :


الصفحة التالية
Icon