فصل


قال الفخر :
﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (٢) ﴾
فيه مسائل :
المسألة الأولى :
الإلهاء الصرف إلى اللهو.
واللهو الانصراف إلى ما يدعو إليه الهوى، ومعلوم أن الانصراف إلى الشيء يقتضي الإعراض عن غيره، فلهذا قال أهل اللغة : ألهاني فلان عن كذا أي أنساني وشغلني، ومنه الحديث :" أن الزبير كان سمع صوت الرعد لهى عن حديثه " أن تركه وأعرض عنه، وكل شيء تركته فقد لهيت عنه، والتكاثر التباهي بكثرة المال والجاه والمناقب يقال : تكاثر القوم تكاثراً إذا تعادلوا مالهم من كثرة المناقب، وقال أبو مسلم : التكاثر تفاعل عن الكثرة والتفاعل يقع على أحد وجوه ثلاثة يحتمل أن يكون بين الإثنين فيكون مفاعله، ويحتمل تكلف الفعل تقول : تكارهت على كذا إذا فعلته وأنت كاره، وتقول : تباعدت عن الأمر إذا تكلفت العمى عنه وتقول : تغافلت، ويحتمل أيضاً الفعل بنفسه كما تقول : تباعدت عن الأمر أي بعدت عنه، ولفظ التكاثر في هذه الآية ويحتمل الوجهين الأولين، فيحتمل التكاثر بمعنى المفاعلة لأنه كم من اثنين يقول كل واحد منهما لصاحبه :﴿أَنَاْ أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً﴾ [ الكهف : ٣٤ ] ويحتمل تكلف الكثرة فإن الحريص يتكلف جميع عمره تكثير ماله، واعلم أن التفاخر والتكاثر شيء واحد ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ﴾ [ الحديد : ٢٠ ].
المسألة الثانية :
اعلم أن التفاخر إنما يكون بإثبات الإنسان نوعاً من أنواع السعادة لنفسه، وأجناس السعادة ثلاثة :
فأحدها : في النفس والثانية : في البدن والثالثة : فيما يطيف بالبدن من خارج، أما التي في النفس فهي العلوم والأخلاق الفاضلة وهما المرادان بقوله حكاية عن إبراهيم :﴿رَبّ هَبْ لِى حُكْماً وَأَلْحِقْنِى بالصالحين﴾ [ الشعراء : ٨٣ ] وبهما ينال البقاء الأبدي والسعادة السرمدية.


الصفحة التالية
Icon