فكأنه تعالى يعجبهم من أنفسهم، ويقول هب أنكم أكثر منهم عدداً فماذا ينفع، والزيارة إتيان الموضع، وذلك يكون لأغراض كثيرة، وأهمها وأولاها بالرعاية ترقيق القلب وإزالة حب الدنيا فإن مشاهدة القبور تورث ذلك على ما قال عليه السلام :" كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإن في زيارتها تذكرة " ثم إنكم زرتم القبور، بسبب قساوة القلب والاستغراق في حب الدنيا فلما انعكست هذه القضية، لا جرم ذكر الله تعالى ذلك في معرض التعجيب.
والقول الثاني : أن المراد هو التكاثر بالمال واستدلوا عليه بما روى مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه، أنه عليه السلام كان يقرأ :﴿ألهاكم﴾ وقال ابن آدم : يقول مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنبت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت، والمراد من قوله :﴿حتى زُرْتُمُ المقابر﴾ أي حتى متم وزيارة القبر عبارة عن الموت، يقال لمن مات : زار قبره وزار رمسه، قال جرير للأخطل :
زار القبور أبو مالك.. فأصبح ألأم زوارها
أي مات فيكون معنى الآية : ألهاكم حرصكم على تكثير أموالكم عن طاعة ربكم حتى أتاكم الموت، وأنتم على ذلك، يقال حمله على هذا الوجه مشكل من وجهين الأول : أن الزائر هو الذي يزور ساعة ثم ينصرف، والميت يبقى في قبره، فكيف يقال : إنه زار القبر ؟ والثاني : أن قوله :﴿حتى زُرْتُمُ المقابر﴾ إخبار عن الماضي، فكيف يحمل على المستقبل ؟ والجواب : عن السؤال الأول أنه قد يمكث الزائر، لكن لا بد له من الرحيل، وكذا أهل القبور يرحلون عنها إلى مكان الحساب والجواب : عن السؤال الثاني من وجوه أحدها : يحتمل أن يكون المراد من كان مشرفاً على الموت بسبب الكبر، ولذلك يقال فيه : إنه على شفير القبر وثانيها : أن الخبر عمن تقدمهم وعظاً لهم، فهو كالخبر عنهم، لأنهم كانوا على طريقتهم، ومنه قوله تعالى :