أنه تعالى أعاد لفظ كلا وهو للزجر، وإنما حسنت الإعادة لأنه عقبه في كل موضع بغير ما عقب به الموضع الآخر، كأنه تعالى قال : لا تفعلوا هذا فإنكم تستحقون به من العذاب كذا لا تفعلوا هذا فإنكم تستوجبون به ضرراً آخر، وهذا التكرير ليس بالمكروه بل هو مرضي عندهم، وكان الحسن رحمه الله يجعل معنى ﴿كَلاَّ﴾ في هذا الموضع بمعنى حقاً كأنه قيل حقاً : لو تعلمون علم اليقين.
المسألة الثالثة :
في قوله :﴿عِلْمَ اليقين﴾ وجهان أحدهما : أن معناه علماً يقيناً فأضيف الموصوف إلى الصفة، كقوله تعالى :﴿وَلَدَارُ الأخرة﴾ [ يوسف : ١٠٩ ] وكما يقال : مسجد الجامع وعام الأول والثاني : أن اليقين ههنا هو الموت والبعث والقيامة، وقد سمي الموت يقيناً في قوله :﴿واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين﴾ [ الحجر : ٩٩ ] ولأنهما إذا وقعا جاء اليقين، وزال الشك فالمعنى لو تعلمون علم الموت وما يلقى الإنسان معه وبعده في القبر وفي الآخرة لم يلهكم التكاثر والتفاخر عن ذكر الله، وقد يقول الإنسان : أنا أعلم علم كذا أي أتحققه، وفلان يعلم علم الطب وعلم الحساب، لأن العلوم أنواع فيصلح لذلك أن يقال : علمت علم كذا.
المسألة الرابعة :
العلم من أشد البواعث على العمل، فإذا كان وقت العمل أمامه كان وعداً وعظة، وإن كان بعد وفاة وقت العمل فحينئذ يكون حسرة وندامة، كما ذكر أن ذا القرنين لما دخل الظلمات ( وجد خرزاً )، فالذين كانوا معه أخذوا من تلك الخرز فلما خرجوا من الظلمات وجدوها جواهر، ثم الأخذون كانوا في الغم أي لما لم يأخذوا أكثر مما أخذوا، والذين لم يأخذوا كانوا أيضاً في الغم، فهكذا يكون أحوال أهل القيامة.
المسألة الخامسة :