وفي صحيح مسلم عن مُطَرِّف عن أبيه قال : أتيت النبي ﷺ وهو يقرأ ﴿ أَلْهَاكُمُ التكاثر ﴾ قال :"يقولُ ابنُ آدم : مالي مالي! وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيتَ، أو لبستَ فأبلَيتَ، أو تصدّقْتَ فأمضيت وما سوى ذلك فذاهبٌ وتاركُه للناس.
وروى البخاريّ عن ابن شهاب : أخبرني أنَس بن مالك أن رسول الله ﷺ قال :" لو أن لابن آدم وادياً من ذهب، لأحب أن يكون له واديان، ولَنْ يَمْلأ فاه إلاّ الترابُ، ويتوبُ اللَّهُ على من تابَ " قال ثابت عن أنس عن أبيّ : كنا نرى هذا من القرآن، حتى نزلت ﴿ أَلْهَاكُمُ التكاثر ﴾.
قال ابن العربيّ : وهذا نصّ صحيح مليح، غاب عن أهل التفسير فجهِلوا وجَهَّلوا، والحمد لله على المعرفة.
وقال ابن عباس :" قرأ النبي ﷺ ﴿ أَلْهَاكُمُ التكاثر ﴾ قال :"تَكاثُرُ الأموال : جمعها من غير حقها، ومنعها من حقها، وشدّها في الأوعية" ".
الثانية : قوله تعالى :﴿ حتى زُرْتُمُ المقابر ﴾ أي حتى أتاكم الموت، فصرتم في المقابر زوّاراً، ترجعون منها كرجوع الزائر إلى منزله من جنة أو نار.
يقال لمن مات : قد زار قبره.
وقيل : أي ألهاكم التكاثر حتى عددتم الأموات ؛ على ما تقدّم.
وقيل : هذا وعيد.
أي اشتغلتم بمفاخرة الدنيا، حتى تزوروا القبور، فتَرَوْا ما ينزل بكم من عذاب الله عز وجل.
الثالثة : قوله تعالى :﴿ المقابر ﴾ جمع مَقْبَرة ومَقْبُرة ( بفتح الباء وضمها ).
والقبور : جمع القبر ؛ قال :
أَرَى أَهْلَ القُصُور إذا أُمِيتُوا...
بَنَوْا فوق المقابر بالصُّخورِ
أَبَوْا إلا مُباهاةً وفَخْرَا...
على الفقراءِ حتّى في القُبورِ
وقد جاء في الشعر ( المَقْبَر ) ؛ قال :
لكل أناسٍ مَقْبَر بفِنائهم...
فَهُمْ يَنقُصُونَ والقُبورُ تَزِيدُ
وهو المقْبُريّ والمقْبَريّ : لأبي سعيد المقبُريّ ؛ وكان يسكن المقابر.


الصفحة التالية
Icon