ولما كان الاستكثار من المال إنما يكره للشغل عن ذكر الله سبب عنه الآمر بالذكر في قوله ﴿فإذا﴾ أي فاطلبوا الفضل من ربكم بالمتجر ﴿أفضتم﴾ أي أوقعتم الإفاضة، ترك مفعوله للعلم به أي دفعتم ركابكم عند غروب الشمس ففاضت في تلك الوهاد كما يفيض الماء المنساب في منحدر الشعاب، وأصل الإفاضة الدفع بكثرة ﴿من عرفات﴾ الجبل الذي وقفتم فيه بباب ربكم الموقف الأعظم الذي لا يدرك الحج إلا به من معنى التعرف لما تقدمته نكرة، وليست تاؤه للتأنيث فتمنعه الصرف بل هي علامة جمع المؤنث، قاصدي المبيت بالمزدلفة، وهو علم على الموقف سمي بجمع ﴿فاذكروا الله﴾ ذا الجلال لذاته بأنواع الذكر ﴿عند﴾ أي قريباً من ﴿المشعر﴾ أي المعلم ولما كان بالحرم، قال :﴿الحرام﴾ وهو الجبل المسمى قزح، وهو من الشعور وهو خفي الإدراك الباطن فالموقف الأول آية على نغوض الدنيا ومحوها وزوالها، والثاني دال بفجره وشمسه على البعث لمجازاة الخلائق بأعمالها ؛ والتعبير بعند للإعلام بأن مزدلفة كلها موقف غير محسر فإنها كلها تقاربه، ويفهم ذلك صحة الوقوف عليه بطريق الأولى. قال الحرالي : وذلك حظ من الوقوف هنيهة وقت في البلد الحرام عند إقبال النهار معادلة للوقوف بعرفة من الحل إلى إقبال الليل ليتثنى الوقوف في الحل والحرم. فكان فيه موقف نهار ينتهي إلى الليل في عرفة وموقف ليل ينتهي إلى النهار في المشعر ؛ فوقف فيه ﷺ بعد صلاة الفجر وقبل طلوع الشمس، وهو ذكره عنده، لأن الذكر بحسب الذاكر، فذكر اللسان القول، وذكر البدن العمل، وذكر النفس الحال والانفعال، وذكر القلب المعرفة والعلم واليقين ونحو ذلك، ولكل شيء ذكر بحسبه ؛ وفي جمع الموقفين في الحل والحرم في معلم الحج الذي هو آية الحشر إيذان وبشرى بأن أهل الموقف صنفان : صنف يقفون في موطن روع ومخافة وقوفاً طويلاً اعتباراً بوقوف الواقفين بعرفة من حين زوال الشمس إلى غروبها ست


الصفحة التالية
Icon