إذا عرفت هاتين المقدمتين فلنرجع إلى الفرق بين القراءتين فنقول : أما الذين قرؤا ثلاثة : بالنصب فلا إشكال وأما الذين قرؤا الأولين بالرفع مع التنوين، والثالث بالنصب فذلك يدل على أن الاهتمام بنفي الجدال أشد من الإهتمام بنفي الرفث والفسوق وذلك لأن الرفث عبارة عن قضاء الشهوة والجدال مشتمل على ذلك، لأن المجادل يشتهي تمشية قوله، والفسوق عبارة عن مخالفة أمر الله، والمجادل لا ينقاد للحق، وكثيراً ما يقدم على الإيذاء والإيحاش المؤدي إلى العداوة والبغضاء فلما كان الجدال مشتملاً على جميع أنواع القبح لا جرم خصه الله تعالى في هذه القراءة بمزيد الزجر والمبالغة في النفي، أما المفسرون فإنهم قالوا : من قرأ الأولين بالرفث والثالث بالنصب فقد حمل الأولين على معنى النهي، كأنه قيل : فلا يكون رفث ولا فسوق وحمل الثالث على الإخبار بانتفاء الجدال، هذا ما قالوه إلا أنه ليس بيان أنه لم خص الأولان بالنهي وخص الثالث بالنفي.
المسألة الثانية : أما الرفث فقد فسرناه في قوله :﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصيام الرفث إلى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة : ١٨٧] والمراد : الجماع، وقال الحسن : المراد منه كل ما يتعلق بالجماع فالرفث باللسان ذكر المجامعة وما يتعلق بها، والرفث باليد اللمس والغمز، والرفث بالفرج الجماع، وهؤلاء قالوا : التلفظ به في غيبة النساء لا يكون رفثاً، واحتجوا بأن ابن عباس كان يحدو بعيره وهو محرم ويقول :
وهن يمشين بنا هميسا.. إن تصدق الطير ننك لميسا