فالمقصود من الأمر هو متعلق ﴿أفيضوا﴾ أي قوله :﴿من حيث أفاض الناس﴾ إشارة إلى عرفات فيكون متضمناً الأمر بالوقوف بعرفة لا بغيرها إبطالاً لعمل قريش الذين كانوا يقفون يوم الحج الأكبر على (قُزَح) المسمى بجمع وبالمشعر الحرام فهو من المزدلفة وكان سائر العرب وغيرهم يقف بعرفات فيكون المراد بالناس في جمهورهم من عدا قريشاً.
عن عائشة أنها قالت : كانت قريش ومن دَان دينها يقفون بيوم عرفة في المزدلفة وكانوا يسمون الحمس وكان سائر العرب يقفون بعرفة فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها فذلك قوله تعالى :﴿ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس﴾ اه فالمخاطب بقوله :﴿أفيضوا﴾ جميع المسلمين والمراد بالناس عموم الناس يعني من عدا قريشاً ومن كان من الحمس الذين كانوا يفيضون من المزدلفة وهم قريش ومن ولدوا وكنانة وأحلافهم.
وقيل : المراد بقوله :﴿ثم أفيضوا﴾ الإفاضة من مزدلفة إلى منى، فتكون (ثم) للتراخي والترتيب في الزمن أي بعد أن تذكروا الله عند المشعر الحرام وهي من السنة القديمة من عهد إبراهيم عليه السلام فيما يقال، وكان عليها العرب في الجاهلية.
فقوله :﴿من حيث أفاض الناس﴾ أي من المكان الذي يفيض منه سائر الناس وهو مزدلفة. وعبر عنه بذلك لأن العرب كلهم يجتمعون في مزدلفة، ولولا ما جاء من الحديث لكان هذا التفسير أظهر لتكون الآية ذكرت الإفاضتين بالصراحة وليناسب قوله بعد :﴿فإذا قضيتم مناسككم﴾ [البقرة : ٢٠٠ ]. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٢٤٣ ـ ٢٤٤﴾
وقد رجح القرطبى القول الأول أيضا فقال :