وختم به الجمعة كقوله :﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ ﴿الجمعة : ١٠ ] ولهذا كان خاتمة الحياة الدنيا وإذا كان آخر كلام العبد : أدخله الله الجنة وأما اختصاص الذاكرين بالانتفاع بآياته وهم أولو الألباب والعقول فكقوله تعالى :{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ ﴿آل عمران : ١٩٠١٩١ ] وأما مصاحبته لجميع الأعمال واقترانه بها وأنه روحها : فإنه سبحانه قرنه بالصلاة كقوله :{وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾ ﴿طه : ١٤ ] وقرنه بالصيام وبالحج ومناسكه بل هو روح الحج ولبه ومقصوده كما قال النبي ـ ﷺ ـ : إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار : لإقامة ذكر الله. أ هـ {مدارج السالكين حـ ٢ صـ ٤٢٦ ـ ٤٢٧﴾
من لطائف الإمام القشيرى فى الآية
﴿ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ﴾ قيامٌ له بالقلب على استدامة الوقت واستغراق العمر.
ويقال كما أنَّ الأغيار يفتخرون بآبائهم، ويستبشرون بأسلافهم فَلْيَكُنْ افتخاركم بنا واستبشاركم بنا.
ويقال إن كان لآبائكم عليكم حقُّ التربية فحقُّنا عليكم أوجب، وأفضالنا عليكم أتم.
ويقال إن كان لأسلافكم مآثر ومناقب، فاستحقاقنا لنعوت الجلال فوق ما لآبائكم من حسن الحال.
ويقال إنك لا تملُّ ذكر أبيك ولا تنساه على غالب أحوالك، فاسْتَدِمْ ذِكرنا، ولا تَعْترِضَنَّكَ ملالة أو سآمة أو نسيان.
ويقال إنْ طَعَنَ في نَسَبِكَ طاعِنٌ لم ترضَ فكذلك ما تسمع من أقاويل أهل الضلال والبِدَعِ فَذُبَّ عنَّا.
ويقال الأبُ يُذكَرُ بالحرمة والحشمة فكذلك اذكرنا بالهيبة مع ذكر لطيف القربة بحسن التربية.
وقال ﴿كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ﴾ ولم يقل أمهاتكم لأن الأب يُذكَر احتراماً والأم تُذكَر شفقةً عليها، والله يَرْحَم ولا يُرْحَم.
﴿ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ لأن الحقَّ أحقُّ، ولأنك قد تستوحش كثيراً عن أبيك، والحقُّ سبحانه مُنَزَّهٌ عن أن يخطر ببال من يعرفه أنه بخلاف ما يقتضي الواجب حتى إن كان ذرة. وقوله ﴿كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ﴾ الأب على ما يستحقه والرب على ما يستحقه. أ هـ ﴿لطائف الإشارات حـ ١ صـ ١٦٧ ـ ١٦٨﴾


الصفحة التالية
Icon