قلت : وهذا فيه بُعْد، ولا يصح عن عليّ، لأن النار حقيقة في النار المحرقة، وعبارة المرأة عن النار تجوّز. وقال قتادة : حسنة الدنيا العافية في الصحة وكفاف المال. وقال الحسن : حسنة الدنيا العلم والعبادة. وقيل غير هذا. والذي عليه أكثر أهل العلم أن المراد بالحسَنَتين نِعَم الدنيا والآخرة. وهذا هو الصحيح ؛ فإن اللفظ يقتضي هذا كله، فإن " حسنة" نكرة في سياق الدعاء، فهو محتمل لكل حسنة من الحسنات على البدل. وحسنة الآخرة : الجنة بإجماع. وقيل : لم يَرِد حسنة واحدة، بل أراد : أعطنا في الدنيا عطيّة حسنة ؛ فحذف الاسم. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٢ صـ ٤٢٣﴾
وقال ابن كثير :
جمعت هذه الدعوةُ كلَّ خير في الدنيا، وصرَفت كلّ شر فإن الحسنة في الدنيا تشملُ كلّ مطلوب دنيوي، من عافية، ودار رحبة، وزوجة حسنة، ورزق واسع، وعلم نافع، وعمل صالح، ومركب هنيء، وثناء جميل، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عباراتُ المفسرين، ولا منافاة بينها، فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا. وأما الحسنة في الآخرة فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العَرَصات، وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة، وأما النجاة من النار فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا، من اجتناب المحارم والآثام وترك الشبهات والحرام.
وقال القاسم بن عبد الرحمن : من أعطي قلبا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وجسدًا صابرًا، فقد أوتي في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، ووقي عذاب النار.
ولهذا وردت السنة بالترغيب في هذا الدعاء. فقال البخاري : حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، عن عبد العزيز، عن أنس بن مالك قال : كان النبي ـ ﷺ ـ يقول :" اللَّهم ربَّنا، آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار". أ هـ ﴿تفسير ابن كثير حـ ١ صـ ٥٥٨﴾