ثم وصفه فقال تعالى :﴿ الذي جمع مالاً ﴾ وإنما وصفه بهذا الوصف لأنه يجري مجرى السبب والعلة في الهمز واللمز يعني وهو بإعجابه بما جمع من المال يستصغر الناس ويسخر منهم، وإنما نكر مالاً لأنه بالنسبة إلى مال هو أكثر منه كالشّيء الحقير وإن كان عظيماً عند صاحبه فكيف يليق بالعاقل أن يفتخر بالشيء الحقير ﴿ وعدده ﴾ أي أحصاه من العدد، وقيل هو من العدة أي استعده وجعله ذخيرة وغنى له ﴿ يحسب أن ماله أخلده ﴾ أي يظن أنه يخلد في الدّنيا ولا يموت ليساره وغناه قال الحسن ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت ومعناه أن الناس لا يشكون في الموت مع أنهم يعملون عمل من يظن أنه يخلد في الدّنيا ولا يموت ﴿ كلا ﴾ رد عليه أي لا يخلده ماله بل يخلده ذكر العلم، والعمل الصّالح ومنه قول علي : مات خزان المال، وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر، وقيل معناه حقاً ﴿ لينبذن ﴾ واللام في لينبذن جواب القسم فدل ذلك على حصول معنى القسم، ومعنى لينبذن ليطرحن ﴿ في الحطمة ﴾ أي في النار، وهو اسم من أسمائها مثل سقر ولظى، وقيل هو اسم للدركة الثانية منها وسميت حطمة لأنها تحطم العظام وتكسرها، والمعنى يا أيّها الهمزة اللمزة الذي يأكل لحوم الناس، ويكسر من أعراضهم إن وراءك الحطمة التي تأكل اللحوم وتكسر العظام ﴿ وما أدراك ما الحطمة ﴾ أي نار لا كسائرالنيران ﴿ نار الله ﴾ إنما أضافها إليه على سبيل التفخيم والتعظيم لها ﴿ الموقدة ﴾ أي لا تخمد أبداً عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( ﷺ ) " أوقد على النّار ألف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة " أخرجه التّرمذي قال ويروى عن أبي هريرة موقوفاً وهو أصح ﴿ التي تطلع على الأفئدة ﴾ أي يبلغ ألمها ووجعها إلى القلوب، والمعنى أنها تأكل كل شيء حتى تنتهي إلى الفؤاد، وإنما خص الفؤاد بالذكر لأنه ألطف


الصفحة التالية
Icon