بل يَحْسَبُ ويظن أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ أى ادام وأبقى ماله نفسه وجعله مخلدا في الدنيا مستمرا فيها أبدا بحيث لا يطرأ عليه زوال وانتقال أصلا فقد اغتر بماله وجاهه إلى حيث قد خيل له الخلود به فيها والدوام عليها بطرا وغرورا. ثم قال سبحانه
كَلَّا ردعا له عن حسبانه واغتراره هذا وخطأ رأيه وطغيانه يعنى من اين يتأتى ويتيسر له الخلود والدوام فيها واللّه لَيُنْبَذَنَّ ويطرحن ذلك المفسد المفرط يوم الجزاء فِي الْحُطَمَةِ أى النار التي من شأنها انها تحطم أى تكسر وتفنى من يطرح فيها ثم ابهمها سبحانه تهويلا فقال
وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ المعدة لتعذيبه ثم فسرها لكونه ادخل في التهويل والتفظيع بقوله
نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ المسعرة
الَّتِي تَطَّلِعُ وتعلو عَلَى الْأَفْئِدَةِ والأكباد أى حرقها وايلامها غير مختص بظواهر الجلود بل يسرى إلى الاعماق والبواطن أيصاً كما ان اثر الهمز واللمز اللذين هما سبب التعذيب بهذه الخطمة يشمل ظواهر الناس وبواطنهم كذلك الجزاء المترتب عليهما وبالجملة
إِنَّها أى النار الموقدة الإلهية عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ أى مطبقة عليهم محيطة بهم حافة بجوانبهم وحواليهم وهم حينئذ مشدودون موثوقون بأيديهم وأرجلهم
فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ أى اعمدة وأخشاب طوال مثقوبة مربوطين من أعناقهم بالسلاسل والأغلال ألا وهي مصورة لهم من سلاسل الآمال وأغلال الأماني التي هم مقيدون بها في سجن الإمكان. أعاذنا اللّه وعموم عباده منها
خاتمة سورة الهمزة
عليك أيها الموحد المحمدي الوجل الخائف عن مقتضيات القهر الإلهي وموجبات غضبه ان تعدل في عموم اخلاقك واطوارك وتعيش بين بنى نوعك هينا لينا فرحانا سليما يقظانا بلا مماراة ومخاصمة وبلا أغراض نفسانية من شيطنة الشيخية وعجب الدرويشية وكيد الرياء ورعونات الهوى وحفظ الجاه والثروة والسيادة وكثرة التبع والخدم والخيل والخشم بل لك ان تصاحبهم وتداريهم خالصا للّه على سبيل الوفاق والملاطفة بلا شوب الشقاق والنفاق وبالجملة ترجحهم جميعا على نفسك في كل الأمور وتراعيهم حسب المقدور فان رعايتك إياهم وترجيح جانبهم يؤدى إلى مراعاة جانب الحق وترجيحه وبالجملة احسن إليهم كما احسن اللّه إليك فكن من المحسنين المتخلقين بالأخلاق الإلهية واعبد ربك في كل ذرة من ذرائر المظاهر حتى يأتيك اليقين. أ هـ ﴿الفواتح الإلهية حـ ٢ صـ ٥٢٩ ـ ٥٣٠﴾


الصفحة التالية
Icon