﴿ كَلَّا ﴾ أي : فليرتدع عن هذا الحسبان، فإن الأمر ليس كما ظن، بل لابد أن يفارق هذه الحياة إلى حياة أخرى يعاقب فيها على ما كسب من سيىء الأعمال، كما قال :﴿ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ﴾ أي : ليلقين وليقذفن يوم القيامة في النار التي من شأنها أن تحطم كل ما يلقى فيها، أي : تكسرهُ. وكلمة النبذ تفيد التحقير والتصغير.
﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ ﴾ استفهام عنها لتهويل أمرها، كأنها ليست من الأمور التي تدركها العقول.
﴿ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ ﴾ أي : هي النار التي لا تنسب إلا إليه سبحانه، لأنه هو مُنشئُها في عالم لا يعلمهُ سواهُ.
قال أبو السعود : وفي إضافتها إليه سبحانهُ، ووصفها بالايقاد، من تهويل أمرها ما لا مزيد عليه.
﴿ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ﴾ قال ابن جرير : أي : التي يطلع ألمها ووهجها على القلوب، والاطلاع والبلوغ قد يكونان بمعنى ؛ حكي عن العرب سماعاً : متى طَلَعت أرضنا، و : طلعتُ أرضي، بلغتُ.
وقال الزمخشري : يعني أنها تدخل في أجوافهم حتى تصل إلى صدورهم وتطلع على أفئدتهم، وهي أوساط القلوب. ولا شيء في بدن الْإِنْسَاْن ألطف من الفؤاد، ولا أشد تألماً منهُ بأدنى أذى يمسه، فكيف إذا اطلعت عليه نار جهنم واستولت عليه ! ! ويجوز أن يخص الأفئدة لأنها موطن الكفر والعقائد الفاسدة والنيات الخبيثة، أو تطالع، على سبيل المجاز معادن موجبها.
﴿ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ ﴾ أي : مغلقة مطبقة لا مخلص لهم منها.
﴿ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ ﴾ صفة لمؤصدة، أو حال من الضمير المجرور، وإلى الوجهين أشار الزمخشري بقوله : والمعنى أنه يؤكد يأسهم من الخروج، وتيقنهم بحبس الأبد، فتؤصد عليهم الأبواب، وتمدد على العمد، استيثاقاً في استيثاق. ويجوز أن يكون المعنى أنها عليهم مؤصدة، موثقين في عمد ممدة، مثل المقاطر التي تقطر فيها اللصوص.