والتهديد يجيء في صورة مشهد من مشاهد القيامة يمثل صورة للعذاب مادية ونفسية، وصورة للنار حسية ومعنوية. وقد لوحظ فيها التقابل بين الجرم وطريقة الجزاء وجو العقاب. فصورة الهمزة اللمزة، الذي يدأب على الهزء بالناس وعلى لمزهم في أنفسهم وأعراضهم، وهو يجمع المال فيظنه كفيلا بالخلود ! صورة هذا المتعالي الساخر المستقوي بالمال، تقابلها صورة "المنبوذ" المهمل المتردي في(الحطمة)التي تحطم كل ما يلقى إليها، فتحطم كيانه وكبرياءه. وهي(نار الله الموقدة)وإضافتها لله وتخصيصها هكذا يوحي بأنها نار فذة، غير معهودة، ويخلع عليها رهبة مفزعة رعيبة. وهي(تطلع)على فؤاده الذي ينبعث منه الهمز واللمز، وتكمن فيه السخرية والكبرياء والغرور.. وتكملة لصورة المحطم المنبوذ المهمل.. هذه النار مغلقة عليه، لا ينقذه منها أحد، ولا يسأل عنه فيها أحد ! وهو موثق فيها إلى عمود كما توثق البهائم بلا احترام ! وفي جرس الألفاظ تشديد : عدده. كلا. لينبذن. تطلع. ممددة وفي معاني العبارات توكيد بشتى أساليب التوكيد :(لينبذن في الحطمة. وما أدراك ما الحطمة ؟ نار الله الموقدة..)فهذا الإجمال والإبهام. ثم سؤال الاستهوال. ثم الإجابة والبيان.. كلها من أساليب التوكيد والتضخيم.. وفي التعبير تهديد (ويل. لينبذن. الحطمة... نار الله الموقدة. التي تطلع على الأفئدة. إنها عليهم مؤصدة. في عمد ممددة)..
وفي ذلك كله لون من التناسق التصويري والشعوري يتفق مع فعلة(الهمزة اللمزة)!
لقد كان القرآن يتابع أحداث الدعوة ويقودها في الوقت ذاته. وكان هو السلاح البتار الصاعق الذي يدمر كيد الكائدين، ويزلزل قلوب الأعداء ويثبت أرواح المؤمنين.
وإنا لنرى في عناية الله سبحانه بالرد على هذه الصورة معنيين كبيرين :
الأول : تقبيح الهبوط الأخلاقي وتبشيع هذه الصورة الهابطة من النفوس.


الصفحة التالية
Icon