قوله تعالى ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (١) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
( بسم الله ) الذي له الإحاطة فقدرته في كل شيء عاملة ( الرحمن ) الذي له النعمة الشاملة ( الرحيم ) الذي يختص أهل الاصطفاء بالنعمة الكاملة.
لما قدم في الهمزة أن كثرة الأموال المسببة بالقوة بالرجال ربما أعقبت الوبال، دل عليه في هذه بدليل شهودي وصل في تحريقه وتغلغله في الأجسام وتجريفه إلى القلوب في العذاب الأدنى كما ذكر فيما قبلها للعذاب الأكبر الأخفى، محذراً من الوجاهة في الدنيا وعلو الرتبة، مشيراً إلى أنها كلما عظمت زاد ضررها بما يكسبه من الطغيان حتى ينازع صاحبها الملك الأعلى، ومع كونه شهودياً فللعرب ولا سيما قريش به الخبرة التامة، فقال مقرراً منكراً على من يخطر له خلاف ذلك :﴿ألم تر﴾ أي تعلم علماً هو في تحققه كالحاضر المحسوس بالبصر، وذلك لأنه ـ ﷺ ـ وإن لم يشهد تلك الوقعة فإنه شاهد آثارها، وسمع بالتواتر مع إعلام الله له أخبارها، وخصه ـ ﷺ ـ إعلاماً بأن ذلك لا يعلمه ويعمل به إلا هو ـ ﷺ ـ ومن وفقه الله الحسن اتباعه، لما للإنسان من علائق النقصان، وعلائق الحظوظ والنسيان، وقرىء " تر " باسكان الراء، قالوا جداً في إظهار أثر الجازم، وكان السر في هذه القراءة الإشارة إلى الحث في الإسراع بالرؤية إيماء إلى أن أمرهم على كثرتهم كان كلمح البصر، من لم يعتن به ويسارع إلى تعمده لا يدركه حق إدراكه.