السؤال الثاني : لم قال :﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ﴾ ولم يقل : ألم تر ما فعل ربك ؟ الجواب : لأن الأشياء لها ذوات، ولها كيفيات باعتبارها يدل على مداومتها وهذه الكيفية هي التي يسميها المتكلمون وجه الدليل، واستحقاق المدح إنما يحصل برؤية هذه الكيفيات لا برؤية الذوات ولهذا قال :﴿أَفَلَمْ يَنظُرُواْ إِلَى السماء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بنيناها﴾ [ ق : ٦ ] ولا شك أن هذه الواقعة كانت دالة على قدرة الصانع وعلمه وحكمته، وكانت دالة على شرف محمد ﷺ، وذلك لأن مذهبنا أنه يجوز تقديم المعجزات على زمان البعثة تأسيساً لنبوتهم وإرهاصاً لها، ولذلك قالوا : كانت الغمامة تظله، وعند المعتزلة أن ذلك لا يجوز، فلا جرم زعموا أنه لا بد وأن يقال : كان في ذلك الزمان نبي ( أو خطيب ) كخالد بن سنان أو قس بن ساعدة، ثم قالوا : ولا يجب أن يشتهر وجودهما، ويبلغ إلى حد التواتر، لاحتمال أنه كان مبعوثاً إلى جمع قليلين، فلا جرم لم يشتهر خبره.
واعلم أن قصة الفيل واقعة على الملحدين جداً، لأنهم ذكروا في الزلازل والرياح والصواعق وسائر الأشياء التي عذب الله تعالى بها الأمم أعذاراً ضعيفة، أما هذه الواقعة فلا تجري فيها تلك الأعذار، لأنها ليس في شيء من الطبائع والحيل أن يقبل طير معها حجارة، فتقصد قوماً دون قوم فتقتلهم، ولا يمكن أن يقال : إنه كسائر الأحاديث الضعيفة لأنه لم يكن بين عام الفيل ومبعث الرسول إلا نيف وأربعون سنة (١) ويوم تلا الرسول هذه السورة كان قد بقي بمكة جمع شاهدوا تلك الواقعة، ولو كان النقل ضعيفاً لشافهوه بالتكذيب، فلما لم يكن كذلك علمنا أنه لا سبب للطعن فيه.

(١) كيف يقول : إلا نيف وأربعون، والرسول ولد عام الفيل فلا معنى لذكر النيف. [.....]


الصفحة التالية
Icon