قال : فأقام أرياط باليمن، وكتب إليه النجاشي : أن اثبت بجندك ومن معك، فأقام حيناً ثم إنّ إبرهة بن الصباح ساخطه في أمر الحبشة حتى انصدعوا صدعين فكانت معه طائفة ومع إبرهة طائفة، ثم تراجفا، فلمّا دنا بعضهم من بعض أرسل إبرهة إلى أرياط : لا تصنع بأن تلقى الحبشة بعضها بعضاً شيئاً حتى تلقاني، ولكن اخرج إليّ فأيّنا قتل صاحبه انضمّ إليه الجند، فأرسل إليه : إنّك قد أنصفت.
وكان أرياط جسيماً عظيماً وسيماً، في يده حربته، وكان إبرهة رجلا قصيراً حاذراً لحيماً، وكان ذا دين في النصرانيّة وخلّف إبرهة [ فيها غلام ] يقال له : عتودة، فلمّا دنوا رفع أرياط الحربة فضرب بها رأس إبرهة فوقعت على جبينه فشرمت عينه وجبينه وأنفه وشفته فبذلك سُمّي الأشرم.
وحمل عتودة على أرياط فقتله، فاجتمعت الحبشة لإبرهة وقال عتودة : أنا عتودة من خلفه ارده لا أب ولا أُم بحده، وقال إبرهة : ما كان لك قبله يا عتودة ولا ديته قال : فبلغ النجاشي ما صنع إبرهة فغضب وحلف لا يدع إبرهة حتى يجرُّ ناصيته ويطأ بلاده، وكتب إلى إبرهة : إنّك عدوت على أميري فقتلته بغير أمري.
وكان إبرهة رجلا مارداً، فلمّا بلغه ما كان من قول النجاشي حلق رأسه وملأ جراباً من تراب أرضه وكتب إلى النجاشي : أيها الملك إنما كان أرياط عبدك وأنا عبدك، اختلفنا في أمرك وكنت أعلم بالحبشة وأسوس لها، وقد كنت أردته أن يعتزل وأكون أنا أسوسه فأبى فقتلته، وقد بلغني الذي حلف عليه الملك، وقد حلقت رأسي فبعثت به إليه، وبعثت إليه بجراب من تراب أرضه ؛ ليضعه تحت قدمه [ ومن يهينه ]، فلمّا انتهى إليه ذلك رضي عنه فأقرّه على عمله، وكتب إليه أن يثبت بمن معه من الجند.


الصفحة التالية
Icon