وقد جمع بين هاتين القراءتين الشاعر، فقال :
زعمتم أن إخوتكم قريش... لهم إلف وليس لكم إلاّف
وقرأ عكرمة :( ليألف قريش ) بفتح اللام على أنها لام الأمر، وكذلك هو : في مصحف ابن مسعود، وفتح لام الأمر لغة معروفة.
وقرأ بعض أهل مكة :( إلاّف قريش ) واستشهد بقول أبي طالب :
تذود الورى من عصبة هاشمية... إلاّفهم في الناس خير إلاّف
وقريش هم : بنو النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، فكل من كان من ولد النضر فهو قرشي، ومن لم يلده النضر فليس بقرشي، وقريش يأتي منصرفاً إن أريد به الحيّ، وغير منصرف إن أريد به القبيلة ومنه قول الشاعر :
وكفى قريش المعضلات وسادها... وقيل إنّ قريشاً بنو فهر بن مالك بن النضر.
والأوّل أصح.
وقوله :﴿ إيلافهم ﴾ بدل من إيلاف قريش.
و﴿ رِحْلَةَ ﴾ مفعول به لإيلافهم وأفردها، ولم يقل رحلتي الشتاء والصيف لأمن الإلباس.
وقيل : إن إيلافهم تأكيد للأوّل لا بدل، والأوّل أولى.
ورجحه أبو البقاء.
وقيل : إن رحلة منصوبة بمصدر مقدّر، أي : ارتحالهم رحلة ﴿ الشتاء والصيف ﴾ وقيل : هي منصوبة على الظرفية والرحلة : الارتحال، وكانت إحدى الرحلتين إلى اليمن في الشتاء ؛ لأنها بلاد حارّة، والرحلة الأخرى إلى الشام في الصيف ؛ لأنها بلاد باردة.
وروي أنهم كانوا يشتون بمكة، ويصيفون بالطائف، والأوّل أولى، فإن ارتحال قريش للتجارة معلوم معروف في الجاهلية والإسلام.
قال ابن قتيبة : إنما كانت تعيش قريش بالتجارة، وكانت لهم رحلتان في كل سنة : رحلة في الشتاء إلى اليمن، ورحلة في الصيف إلى الشام، ولولا هاتان الرحلتان لم يمكن بها مقام، ولولا الأمن بجوارهم البيت لم يقدروا على التصرّف.
﴿ فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذا البيت ﴾ أمرهم سبحانه بعبادته بعد أن ذكر لهم ما أنعم به عليهم أي : إن لم يعبدوه لسائر نعمه، فليعبدوه لهذه النعمة الخاصة المذكورة، والبيت الكعبة.


الصفحة التالية
Icon