حبس عن مكة الفيل وسلّط عليها رسوله والمؤمنين. ألا وإنها لم تحلّ لأحد قبلي ولن تحلّ لأحد بعدي. ألا وإنها أحلّت لي ساعة من النهار. ألا وإنها ساعتي هذه حرام. لا يخبط شوكها ولا يعضد شجرها وزاد في رواية ولا ينفّر صيدها ولا يلتقط ساقطتها إلّا منشد» «١». وحديث رواه الشيخان عن ابن عباس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :
«إنّ هذا البلد حرّمه اللّه يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة اللّه إلى يوم القيامة» «٢» وحديث رواه الشيخان والترمذي عن أبي شريح العدوي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«إنّ مكة حرّمها اللّه ولم يحرّمها الناس فلا يحلّ لامرئ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة. فإن أحد ترخّص بقتال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيها فقولوا له إنّ اللّه أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنّما أذن لي فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلّغ الشاهد الغائب» «٣».
ورحلتا الشتاء والصيف هما رحلتان تجاريتان كان القرشيون يقومون بهما :
واحدة إلى اليمن جنوبا في الشتاء، وأخرى إلى الشام شمالا في الصيف. وكانوا يصلون إلى بلاد الصومال والحبشة في رحلة الجنوب وإلى فلسطين ومصر وربما إلى بلاد العراق وفارس في رحلة الشمال على ما ذكرته الروايات العربية «٤»، وأشارت إلى شيء منه آيات سورة الصافات هذه في معرض ذكر مساكن قوم لوط التي كانت في تخوم فلسطين : وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٣) إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٣٤) إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٣٥) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٣٦) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٣٨) وكانت هذه الرحلات وسائل عظيمة لتنمية ثروة القرشيين واكتسابهم المهارة التجارية واقتباسهم كثيرا من معارف العالم المتحضر الذي كان يحيط بالجزيرة ووسائل حضارته ومعيشته. وكانت مواسم الحج والأسواق التي كانت تقام فيها مجالا واسعا لأعمالهم التجارية أيضا فضلا عما كان يعقد في هذه
_________
(١) التاج ج ٢ ص ١٥٧ - ١٥٩.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) المصدر نفسه.
(٤) انظر كتاب تاريخ حياة عمرو بن العاص للدكتور حسن إبراهيم ص ٢٤ وما بعدها.


الصفحة التالية
Icon