من لطائف الإمام القشيرى فى السورة الكريمة
قال عليه الرحمة :
سورة قريش
قوله جل ذكره :( بسم الله الرحمن الرحيم )
بسم : الباء في " بسم " سر الموحدين عن حسبان الحدثان، وعن كل شيء مما لم يكن فكان، وتشير إلى الانقطاع إلى الله في السراء والضراء، والشدة والرخاء.
والسين تشير إلى سكونهم في جميع أحوالهم تحت جريان ما يبدو من الغيب بشرط مراعاة الأدب.
والميم تشير إلى منة الله عليهم بالتوفيق لما تحققوا به من معرفته وتخلوفا به من طاعته.
قوله جلّ ذكره :﴿ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَآءِ وَالصَّيْفِ ﴾.
" الإيلاف " : مصدر آلَفَ، إذا جَعَلْتَهُ يَأْلَف... وهو أَلِفَ إِلْفاً.
والمعنى : جعلهم كعصفٍ مأكولٍ لإيلافِ قريْشْ، أي لِيَأْلَفوا رحلتهم في الشتاء والصيف.
وكانت لهم رحلتان للامتيار : رحلةٌ إلى الشام في القيظ، ورحلة إلى اليمن في الشتاءِ والمعنى : أنعم اللَّهُ عليهم بإهلاكِ عدوِّهم ليؤلَّفَهم رحلتيهم.
وقيل :﴿ فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَاذَا الْبَيْتِ ﴾ ﴿ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ ﴾ كأنه أَعْظَمَ المِنَّةَ عليهم. وأَمرَهم بالعبادة :
﴿ فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَاذَا الْبَيْتِ الَّذِى أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ ﴾.
فليعبدوه لِمَا أنعم به عليهم.
وقيل :﴿ فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِى أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ ﴾ بعد ما أصابهم من القحط حينما دعا عليهم الرسولُ صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَءَامَنَهُم مِّنْ خَوْفِ ﴾.
حين جعَلَ الحرَمَ آمِناً، وأجارَهم من عدوِّهم.
ويقال : أنعم عليهم بأن كفاهم الرحلتين بجلْبِ الناسِ الميرةَ إليهم من الشام ومن اليمن.
وَوجْهِ المِنَّةِ في الإطعام والأمان هو أن يتفرَّغوا إلى عبادة الله ؛ فإِنَّ مَنْ لم يكن مكْفِي َّ الأمور لا يتفرَّغُ إلى الطاعة، ولا تساعده القوة ولا القلبُ - إلاَّ عند السلامة بكلِّ وجهٍ وقد قال تعالى :


الصفحة التالية
Icon