واعلم أن وجه النعمة والمنة فيه أنه لو تم لأصحاب الفيل ما أرادوا، لترك أهل الأقطار تعظيمهم وأيضاً لتفرقوا وصار حالهم كحال اليهود المذكور في قوله :﴿وقطعناهم فِي الأرض أُمَمًا﴾ [ الأعراف : ١٦٨ ] واجتماع القبيلة الواحدة في مكان واحد أدخل في النعمة من أن يكون الاجتماع من قبائل شتى، ونبه تعالى أن من شرط السفر المؤانسة والألفة، ومنه قوله تعالى :﴿وَلاَ جِدَالَ فِي الحج﴾ [ الحج : ١٩٧ ] والسفر أحوج إلى مكارم الأخلاق من الإقامة القول الثاني : أن المراد، رحلة الناس إلى أهل مكة فرحلة الشتاء والصيف عمرة رجب وحج ذي الحجة لأنه كان أحدهما شتاء والآخر صيفاً وموسم منافع مكة يكون بهما، ولو كان يتم لأصحاب الفيل ما أرادوا لتعطلت هذه المنفعة.
المسألة الثانية :
نصب الرحل بلإيلافهم مفعولاً به، وأراد رحلتي الشتاء والصيف، فأفرد لأمن الإلباس كقوله : كلوا في بعض بطنكم، وقيل : معناه رحلة الشتاء ورحلة الصيف، وقرىء ( رحلة ) بضم الراء وهي الجهة.
فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (٣)
قوله تعالى :﴿فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذا البيت﴾ اعلم أن الإنعام على قسمين أحدهما : دفع الضرر والثاني : جلب النفع والأول أهم وأقدم، ولذلك قالوا : دفع الضرر عن النفس واجب أما جلب النفع ( فإنه ) غير واجب، فلهذا السبب بين تعالى نعمة دفع الضرر في سورة الفيل ونعمة جلب النفع في هذه السورة، ولما تقرر أن الإنعام لا بد وأن يقابل بالشكر والعبودية، لا جرم أتبع ذكر النعمة بطلب العبودية فقال :﴿فَلْيَعْبُدُواْ﴾ وههنا مسائل :
المسألة الأولى :
ذكرنا أن العبادة هي التذلل والخضوع للمعبود على غاية ما يكون.


الصفحة التالية
Icon