وأما الخوف، فهو الخوف الشديد الحاصل من أصحاب الفيل، ويحتمل أن يكون المراد من التنكير التحقير، يكون المعنى أنه تعالى لما لم يجوز لغاية كرمه إبقاءهم في ذلك الجوع القليل والخوف القليل، فكيف يجوز في كرمه لو عبدوه أن يهمل أمرهم، ويحتمل أن يكون المراد أنه : أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ دون جوع : وآمنهم من خوف دون خوف، ليكون الجوع الثاني، والخوف الثاني مذكراً ما كانوا فيه أولاً من أنواع الجوع والخوف، حتى يكونوا شاكرين من وجه، وصابرين من وجه آخر، فيستحقوا ثواب الخصلتين.
السؤال الثالث : أنه تعالى إنما أطعمهم وآمنهم إجابة لدعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام أما في الإطعام فهو قوله :﴿وارزق أَهْلَهُ﴾ [ البقرة : ١٢٦ ] وأما الأمان فهو قوله :﴿اجعل هذا البلد امِنًا﴾ [ إبراهيم : ٣٥ ] وإذا كان كذلك كان ذلك منة على إبراهيم عليه السلام، فكيف جعله منة على أولئك الحاضرين ؟ والجواب : أن الله تعالى لما قال :﴿إِنّى جاعلك لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ قال إبراهيم :﴿وَمِن ذُرّيَتِى﴾ فقال الله تعالى :﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين﴾ [ البقرة : ١٢٤ ] فنادى إبراهيم بهذا الأدب، فحين قال :﴿رَبّ اجعل هذا البلد امِنًا وارزق أَهْلَهُ مِنَ الثمرات﴾ قيده بقوله :﴿مَنْ ءامَنَ بالله﴾ فقال الله : لا حاجة إلى هذا التقيد، بل ومن كفر فأمتعه قليلاً، فكأنه تعالى قال : أما نعمة الأمان فهي دينية فلا تحصل إلا لمن كان تقياً، وأما نعمة الدنيا فهي تصل إلى البر والفاجر والصالح والطالح، وإن كان كذلك كان إطعام الكافر من الجوع، وأمانه من الخوف إنعاماً من الله ابتداء عليه لا بدعوة إبراهيم، فزال السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٣٢ صـ ٩٧ ـ ١٠٣﴾