وكانوا يقولون : قريش سكان حرم اللّه وولاة بيته، فلولا الرحلتان لم يكن لأحد بمكّة مقام، ولولا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرّف، فشقّ عليهم الاختلاف إلى اليمن والشام، وأخصبت تبالة وجرش والجند من بلاد اليمن، فحملوا الطعام إلى مكّة، أهل الساحل في البحر على السفن، وأهل البر على الإبل والحمر، فألقى أهل الساحل بجدّة وأهل البرّ بالمحصّب، وأخصبت الشام فحملوا الطعام إلى مكّة، فحمل أهل الشام إلى الأبطح، وحمل أهل اليمن إلى الجدّة، فامتاروا من قريب وكفاهم اللّه مؤونة الرحلتين وأمرهم بعبادة ربّ البيت.
أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد قال : أخبرنا أبو الوليد حسان بن محمد قال : حدّثنا القاسم بن زكريّا المطرّز قال : حدّثنا محمد بن سليمان قال : حدّثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جُبير قال :" مرَّ رسول اللّه ( عليه السلام ) ومعه أبو بكر بملَئِهم ينشدون :
يا ذا الذي طلب السماحة والندى * هلاّ مررت بآل عبد الدارِ
هلاّ مررت بهم تريد قِراهمُ * منعوك من جهد ومن إقتار
فقال رسول اللّه ﷺ لأبي بكر :" أهكذا قال الشاعر يا أبا بكر؟ " قال : لا، والذي بعثك بالحق، بل قال :
يا ذا الذي طلب السماحة والندى * هلاّ مررت بآل عبد منافِ
لو أنْ مررت بهم تريد قِراهمُ * منعوك من جهد ومن إيجاف
الرائشين وليس يوجد رائش * والقائلين هلُمَّ للأضياف
والخالطين غنَّيهم بفقيرهم * حتى يصير فقيرُهم كالكافي
والقائلين بكل وعد صادق * ورجال مكّة مسنتين عجاف
سفرين سنّهما له ولقومه * سفر الشتاء ورحلة الأصياف "
قال الكلبي : وكان أوّل من حمل السمراء من الشام ورحل اليها الإبل هاشم بن عبد مناف.
﴿ فَلْيَعْبُدُواْ ﴾ لام الأمر ﴿ رَبَّ هذا البيت * الذي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ ﴾.