وقال ابن عاشور :
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١) ﴾
الاستفهام مستعمل في التعجيب من حال المكذبين بالجزاء، وما أورثهم التكذيب من سوء الصنيع.
فالتعجيب من تكذيبهم بالدين وما تفرع عليه من دَعّ اليتيم وعدم الحضّ على طعام المسكين، وقد صيغ هذا التعجيب في نظم مشوِّق لأن الاستفهام عن رؤية من ثبتت له صلة الموصول يذهب بذهن السامع مذاهب شتى من تعرف المقصد بهذا الاستفهام، فإن التكذيب بالدين شائع فيهم فلا يكون مثاراً للتعجب فيترقب السامع ماذا يَرِد بعده وهو قوله :﴿ فذلك الذي يدع اليتيم ﴾.
وفي إقحام اسم الإِشارة واسم الموصول بعد الفاء زيادة تشويق حتى تقرع الصلة سمع السامع فتتمكن منه كَمَالَ تَمكُّن.
وأصل ظاهر الكلام أن يقال : أرأيت الذي يكذب بالدين فَيدُع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين.
والإِشارة إلى الذي يكذب بالدين باسم الإِشارة لتمييزه أكملَ تمييز حتى يتبصر السامع فيه وفي صفته، أو لتنزيله منزلة الظاهر الواضح بحيث يشار إليه.
والفاء لعطف الصفة الثانية على الأولى لإفادة تسبب مجموع الصفتين في الحكم المقصود من الكلام، وذلك شأنها في عطف الصفات إذا كان موصوفها واحداً مثل قوله تعالى :﴿ والصافات صفاً فالزاجرات زجراً فالتاليات ذكراً ﴾ [ الصافات : ١ ٣ ].
فمعنى الآية عطفُ صفتي : دَع اليتيم، وعدم إطعام المسكين على جزم التكذيب بالدين.
وهذا يفيد تشويه إنكار البعث بما ينشأ عن إنكاره من المذام ومن مخالفة للحق ومنَافياً لما تقتضيه الحكمة من التكليف، وفي ذلك كناية عن تحذير المسلمين من الاقتراب من إحدى هاتين الصفتين بأنهما من صفات الذين لا يؤمنون بالجزاء.
وجيء في ﴿ يكذب ﴾، و ﴿ يدُعّ ﴾، و ﴿ يَحُضّ ﴾ بصيغة المضارع لإفادة تكرر ذلك منه ودوامه.


الصفحة التالية
Icon