وعلى القول بأنها مدنية أو أن هذه الآية وما بعدها منها مدنية يكون المراد ﴿ بالمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ﴾ المنافقين.
وروَى هذا ابنُ وهب وأشهبُ عن مالك، فتكون الفاء في قوله :﴿ فويل للمصلين ﴾ من هذه الجملة لربطها بما قبلها لأن الله أراد ارتباط هذا الكلام بعضه ببعض.
وجيء في هذه الصفة بصيغة الجمع لأن المراد بـ ﴿ الذي يكذب بالدين ﴾ : جنس المكذبين على أظهر الأقوال.
فإن كان المراد به معيناً على بعض تلك الأقوال المتقدمة كانت صيغة الجمع تذييلاً يشمله وغيره فإنه واحد من المتصفين بصفة ترك الصلاة، وصفة الرياء، وصفة منع الماعون.
وقوله :﴿ الذين هم عن صلاتهم ساهون ﴾ صفة ﴿ للمصلين ﴾ مقيِّدة لحكم الموصوف فإن الويل للمصلي الساهي عن صلاته لا للمصلي على الإطلاق.
فيكون قوله ﴿ الذين هم عن صلاتهم ساهون ﴾ ترشيحاً للتهكم الواقع في إطلاق وصف المصلين عليهم.
وعدي ﴿ ساهون ﴾ بحرف ﴿ عن ﴾ لإفادة أنهم تجاوزوا إقامة صلاتهم وتركوها ولا علاقة لهذه الآية بأحكام السهو في الصلاة.
وقوله :﴿ الذين عن صلاتهم ساهون ﴾ يجوز أن يكون معناه الذين لا يؤدون الصلاة إلاّ رياء فإذا خلوا تركوا الصلاة.
ويجوز أن يكون معناه : الذين يصلون دون نية وإخلاص فهم في حالة الصلاة بمنزلة الساهي عما يفعل فيكون إطلاق ﴿ ساهون ﴾ تهكماً كما قال تعالى :﴿ يراءون الناس ولا يذكرون اللَّه إلا قليلاً في المنافقين ﴾ في سورة النساء ( ١٤٢ ).
و( يراءون ) يقصدون أن يَرى الناسُ أنهم على حال حسن وهم بخلافه ليتحدث الناس لهم بمحاسنَ ما هم بموصوفين بها، ولذلك كَثر أن تعطف السُّمعة على الرياء فيقال : رياء وسُمعة.
وهذا الفعل وارد في الكلام على صيغة المفاعلة ولم يسمع منه فعل مجرد لأنه يلازمه تكرير الإِراءة.
والماعون } : يطلق على الإِعانة بالمال، فالمعنى : يمنعون فضلهم أو يمنعون الصدقة على الفقراء.