وقال العلامة نظام الدين النيسابورى :
﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (١) ﴾
القرآات ﴿ شانيك ﴾ بالياء : يزيد والشموني وحمزة في الوقف. وقرأ قتيبة ونصير مهموزاً ممالة. الوقوف ﴿ الكوثر ﴾ ه ط ﴿ وانحر ﴾ ه ط ﴿ الأبتر ﴾ ه.
التفسير : هذه السورة كالمقابلة للسورة المتقدمة، لأن تلك مثال لكون الإنسان في خسر، وهذه للمستثنين منهم بل لأشرفهم وأفضلهم وهو النبي ﷺ بل له ولشانيه، فكأنها مثال للفريقين جميعاً. هذا وجه إجمالي وأما الوجه التفصيلي فقوله ﴿ إنا أعطيناك الكوثر ﴾ أي الخير الكثير وقع في مقابلة الدع والمنع من الإطعام وقوله ﴿ فصل ﴾ أي دم على الصلاة وقع بإزاء قوله ﴿ عن صلاتهم ساهون ﴾ [ الماعون : ٥ ] وقوله ﴿ لربك ﴾ مكان قوله ﴿ يراءون ﴾ [ الماعون : ٦ ] وقوله ﴿ وانحر ﴾ والمراد به التصدق بلحوم الأضاحي بحذاء قوله ﴿ ويمنعون الماعون ﴾ [ الماعون : ٧ ] ثم ختم السورة بقوله ﴿ إن شانئك هو الأبتر ﴾ أي الذي تضاد طريقته طريقتك سيزول عنه ما يفتخر به من المال والجاه والأحساب والأنساب ويبقى لك ولمتابعيك الذكر الجميل في الدنيا والثواب الجزيل في العقبى، بل يدوم لك النسب الصوري بسبب أولادك الشرفاء والنسب المعنوي بواسطة أتباعك العلماء، ثم في الآية أصناف من المبالغة منها : التصدير ب " إن " ومنها الجمع المفيد للتعظيم، ومنها لفظ الإعطاء دون الإيتاء ففي الإعطاء دليل التمليك دون الإيتاء ولهذا حين قال ﴿ ولقد آتيناك سبعاً من المثاني ﴾ [ الحجر : ٧ ] كان أمته مشاركين له في فوائدها ولم يكن له منعهم منها. ومنها صيغة المضي الدالة على التحقيق في وعد الله تعالى كما هي عادة القرآن، ومنها لفظ الكوثر وهو مبالغة في الكثرة بزيادة الواو كجدول فيشمل خيرات الدنيا والآخرة، إلا أن أكثر المفسرين خصوه فحملوه على أنه اسم نهر في الجنة. عن أنس عن النبي ﷺ " رأيت نهراً في الجنة حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فضربت بيدي إلى مجرى الماء فإذا أنا بمسك أذفر فقلت : ما هذا؟ فقيل : هو الكوثر الذي أعطاك الله " وفي رواية " ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل فيه طيور خضر لها أعناق كأعناق البخت من أكل من ذلك الطير وشرب من