وعن عكرمة : الكوثر هنا : النبوءة والكتاب، وعن الحسن : هو القرآن، وعن المغيرة : أنه الإِسلام، وعن أبي بكر بن عَيَّاش : هو كثرة الأمة، وحكى الماوردي : أنه رفعة الذكر، وأنه نور القلب، وأنه الشفاعة، وكلام النبي ﷺ المروي في حديث أنس لا يقتضي حصر معاني اللفظ فيما ذكره.
وأريد من هذا الخبر بشارة النبي ﷺ وإزالةُ ما عسى أن يكون في خاطره من قول من قال فيه : هو أبتر، فقوبل معنى الأبتر بمعنى الكوثر، إبطالاً لقولهم.
وقوله :﴿ فصل لربك ﴾ اعتراض والفاء للتفريع على هذه البشارة بأن يشكر ربه عليها، فإن الصلاة أفعال وأقوال دالة على تعظيم الله والثناء عليه وذلك شكر لنعمته.
وناسب أن يكون الشكر بالازدياد مما عاداه عليه المشركون وغيرهم ممن قالوا مقالتهم الشنعاء : إنه أبتر، فإن الصلاة لله شكر له وإغاظة للذين ينهونه عن الصلاة كما قال تعالى :﴿ أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى ﴾ [ العلق : ٩، ١٠ ] لأنهم إنما نهَوْه عن الصلاة التي هي لوجه الله دون العبادة لأصنامهم، وكذلك النحر لله.
والعدول عن الضمير إلى الاسم الظاهر في قوله :﴿ فصل لربك ﴾ دون : فصلِّ لنا، لما في لفظ الرب من الإِيماء إلى استحقاقه العبادة لأجل ربوبيته فضلاً عن فرط إنعامه.
وإضافة ( رب ) إلى ضمير المخاطب لقصد تشريف النبي ﷺ وتقريبه، وفيه تعريض بأنه يربُّه ويرأف به.
ويتعين أن في تفريع الأمر بالنحر مع الأمر بالصلاة على أن أعطاه الكوثر خصوصية تناسب الغرض الذي نزلت السورة له، ألا ترى أنه لم يذكر الأمر بالنحر مع الصلاة في قوله تعالى :﴿ ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين ﴾ في سورة الحجر ( ٩٧، ٩٨ ).


الصفحة التالية
Icon