وهب أنه لم يولد له البتة، وإنما اصطلح الناس على اعتباره نقصاً لرغبتهم في الولد بناء على ما كانت عليه أحوالهم الاجتماعية من الاعتماد على الجهود البدنية فهم يبتغون الولد الذكور رجاء الاستعانة بهم عند الكبر وذلك أمر قد يعرض، وقد لا يعرض أو لمحبة ذِكر المرء بعد موته وذلك أمر وهمي، والنبي ﷺ قد أغناه الله بالقناعة، وأعزّه بالتأييد، وقد جعل الله له لسان صدق لم يجعل مثله لأحد من خلقه، فتمحض أن كماله الذاتي بما عَلِمه الله فيه إذ جعل فيه رسالته، وأن كماله العرضي بأصحابه وأمته إذ جعله الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
وفي الآية محسن الاستخدام التقديري لأن سوق الإبطال بطريق القصر في قوله :﴿ هو الأبتر ﴾ نفيُ وصف الأبتر عن النبي ﷺ لكن بمعنًى غير المعنى الذي عناه شانئه فهو استخدام ينشأ من صيغة القصر بناء على أن ليس الاستخدام منحصراً في استعمال الضمير في غير معنى معاده، على ما حققه أستاذنا العلامة سالم أبو حاجب وجعله وجهاً في واو العطف من قوله تعالى :﴿ وجاء ربك والملك ﴾ [ الفجر : ٢٢ ] لأن العطف بمعنى إعادة العامل فكأنه قال : وجاء الملك وهو مجيء مغاير لمعنى مجيء الله تعالى، قال : وقد سَبقنا الخفاجي إلى ذلك إذ أجراه في حرف الاستثناء في "طراز المجالس" في قول محمد الصالحي من شعراء الشام :
وحديثُ حُبّي ليسَ بالْ
مَنْسُوخ إلاّ في الدَّفاتر...
والشانىء : المبغض وهو فاعل من الشناءة وهي البغض ويقال فيه : الشنآن، وهو يشمل كل مبغض له من أهل الكفر فكلهم بتر من الخير ما دام فيه شنآن للنبيء ﷺ فأما من أسلموا منهم فقد انقلب بعضهم محبة له واعتزازاً به. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣٠ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon