وَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ هِيَ ؟ فَقَالَ : ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَحَّى الْمُسْلِمُونَ، كَمَا قَالَ : أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوْتَرَ الْمُسْلِمُونَ.
وَتَعَلَّقَ مَنْ أَوْجَبَهَا بِقَوْلِهِ :﴿ فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ ﴾، وَبِقَوْلِهِ :﴿ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ ﴾.
وَقَدْ تَقَرَّبَ بِدَمٍ وَاجِبٍ فِي يَوْمِ النَّحْرِ، فَلْيَتَقَرَّبْ كُلُّ مَنْ كَانَ عَلَى مِلَّتِهِ بِدَمٍ وَاجِبٍ ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ قَدْ أُلْزِمَ الْمِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ.
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ :﴿ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ ﴾.
وَالْعَتِيرَةُ هِيَ الرَّجَبِيَّةُ.
﴿ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ حِينَ ذَبَحَ الْجَذَعَةَ فِي الْأُضْحِيَّةِ : تَجْزِيَك، وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك ﴾.
وَلَا يُقَالُ تَجْزِي إلَّا فِي الْوَاجِبِ.
قُلْنَا : أَمَّا قَوْلُهُ :﴿ فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ ﴾ فَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ النَّاسِ فِيهِ، وَمَا اخْتَرْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ فَلِاحْتِمَالِهِ تَسْقُطُ الْحُجَّةُ مِنْهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿ مِلَّةَ أَبِيكُمْ ﴾ فَمِلَّةُ
أَبِينَا إبْرَاهِيمَ تَشْتَمِلُ عَلَى فَرَائِضَ وَفَضَائِلَ وَسُنَنٍ، وَلَا بُدَّ فِي تَعْيِينِ كُلِّ قِسْمٍ مِنْهَا مِنْ دَلِيلٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ :﴿ تَجْزِيك وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك ﴾، فَكَذَلِكَ يُقَالُ تَجْزِيَك فِي السُّنَّةِ كَمَا يُقَالُ فِي الْفَرْضِ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ شَرْعُهُ، وَفِيهِ شَرْطُهُ، وَمِنْهُ إجْزَاؤُهُ أَوْ رَدُّهُ.