ولما أمره باستغراق الزمان في عبادة الخالق، والإحسان إلى الخلائق بأعلى الخلائق، علله بما حاصله أنه لا شاغل له ولا حاجة أصلاً تلم به فقال :﴿إن شانئك﴾ أي مبغضك والمتبرىء منك والمستهين بك مع ما أوتيت من الجمال، والخصال الفاضلة والكمال ﴿هو﴾ أي خاصة ﴿الأبتر﴾ أي المقطوع من أصله والمقطوع النسل والمعدم والمنقطع الخير والبركة والذكر، لا يعقبه من يقوم بأمره ويذكر به وإن جمع المال، وفرغ بدنه لكل جمال، وأنت الموصول الأمر، النابه الذكر، المرفوع القدر، فلا تلتفت إليهم بوجه من الوجوه، فإنهم أقل من أن يبالي بهم من يفرغ نفسه للفوز بالمثول في حضراتنا الشريفة، والافتخار بالعكوف في أبوابنا العالية المنيفة، لك ما أنت عليه، ولهم ما هم فيه، فالآية الأخيرة النتيجة لأن من الكوثر علو أمره وأمر محبيه وأتباعه في ملكوت السماء والأرض ونهر الجنة وسفول شأن عدوه فيهما، فقد التف كما ترى مفصلها بموصلها، وعرف آخرها من أولها، وعرف أن وسطاها كالحدود الوسطى معانقة للأولى بكونها من ثمارها، ومتصلة بالأخرى لأنها من غايات مضمارها، وقد صدق الله ومن أصدق من الله قيلاً، لم يبق لأحد من مبغضيه ذكر بولد ولا تابع، ولا يوجد لهم شاكر ولا مادح ولا رافع، وأما هو ـ ﷺ ـ فقد ملأت ذريته من فاطمة الزهراء الأرض، وهم الأشرف مع مبالغة الملوك في قتلهم، وإخلاء الأرض من نسلهم، خوفاً من شرفهم العالي على شرفهم، ورفعتهم بالتواضع الغالب لصلفهم، وإذا راجعت آية


الصفحة التالية
Icon