ثم شرفه في سورة قريش بأنه راعى مصلحة أسلافه من ثلاثة أوجه أولها : جعلهم مؤتلفين متوافقين لإيلاف قريش وثانيها : أطعمهم من جوع وثالثها : أنه آمنهم من خوف.
وشرفه في سورة الماعون، بأن وصف المكذبين بدينه بثلاثة أنواع من الصفات المذمومة أولها : الدناءة واللؤم، وهو قوله :﴿يَدُعُّ اليتيم وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين﴾ وثانيها : ترك تعظيم الخالق، وهو قوله :﴿عَن صلاتهم سَاهُونَ *الذين هُمْ يُرَاءونَ﴾ وثالثها : ترك انتفاع الخلق، وهو قوله :﴿وَيَمْنَعُونَ الماعون ﴾.
ثم إنه سبحانه وتعالى لما شرفه في هذه السور من هذه الوجوه العظيمة، قال بعدها :﴿إِنَّا أعطيناك الكوثر﴾ أي إنا أعطيناك هذه المناقب المتكاثرة المذكورة في السوره المتقدمة التي كل واحدة منها أعظم من ملك الدنيا بحذافيرها، فاشتغل أنت بعبادة هذا الرب، وبإرشاد عباده إلى ما هو الأصلح لهم، أما عبادة الرب فإما بالنفس، وهو قوله :﴿فَصَلّ لِرَبّكَ﴾ وإما بالمال، وهو قوله :﴿وانحر﴾ وأما إرشاد عباده إلى ما هو الأصلح لهم في دينهم ودنياهم، فهو قوله :﴿يا أَيُّهَا الكافرون لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ فثبت أن هذه السورة كالتتمة لما قبلها من السور، وأما أنها كالأصل لما بعدها، فهو أنه تعالى يأمره بعد هذه السورة بأن يكفر جميع أهل الدنيا بقوله :﴿قُلْ يا أَيُّهَا الكافرون لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ ومعلوم أن عسف الناس على مذاهبهم وأديانهم أشد من عسفهم على أرواحهم وأموالهم، وذلك أنهم يبذلون أموالهم وأرواحهم في نصرة أديانهم، فلا جرم كان الطعن في مذاهب الناس يثير من العداوة والغضب مالا يثير سائر المطاعن، فلما أمره بأن يكفر جميع أهل الدنيا، ويبطل أديانهم لزم أن يصير جميع أهل الدنيا في غاية العداوة له، وذلك مما يحترف عنه كل أحد من الخلق فلا يكاد يقدم عليه، وانظر إلى موسى عليه السلام كيف كان يخاف من فرعون وعسكره.