فإن قيل : أليس قال :﴿آتيناك سَبْعًا مّنَ المثاني﴾ ؟ قلنا : الجواب من وجهين الأول : أن الإعطاء يوجب التمليك، والملك سبب الاختصاص، والدليل عليه أنه لما قال سليمان :﴿هَبْ لِى مَلَكًا﴾ فقال [ ص : ٣٥ ] :﴿هذا عَطَاؤُنَا فامنن أَوْ أَمْسِكْ﴾ [ ص : ٣٩ ] ولهذا السبب من حمل الكوثر على الحوض قال : الأمة تكون أضيافاً له، أما الإيتاء فإنه لا يفيد الملك، فلهذا قال في القرآن :﴿ءاتيناك﴾ فإنه لا يجوز للنبي أن يكتم شيئاً منه الثاني : أن الشركة في القرآن شركة في العلوم ولا عيب فيها، أما الشركة في النهر، فهي شركة في الأعيان وهي عيب الوجه الثاني : في بيان أن الإعطاء أليق بهذا المقام من الإيتاء، هو أن الإعطاء يستعمل في القليل والكثير، قال الله تعالى :﴿وأعطى قَلِيلاً وأكدى﴾ [ النجم : ٣٤ ] أما الإيتاء، فلا يستعمل إلا في الشيء العظيم، قال الله تعالى :﴿وآتاه الله الملك﴾ [ البقرة : ٢٥١ ] ﴿وَلَقَدْ ءاتَيْنَا دَاوُودُ مِنَّا فَضْلاً﴾ [ سبأ : ١٠ ] والأتي السيل المنصب، إذا ثبت هذا فقوله :﴿إِنَّا أعطيناك الكوثر﴾ يفيد تعظيم حال محمد ﷺ من وجوه أحدها : يعني هذا الحوض كالشيء القليل الحقير بالنسبة إلى ما هو مدخر لك من الدرجات العالية والمراتب الشريفة، فهو يتضمن البشارة بأشياء هي أعظم من هذا المذكور وثانيها : أن الكوثر إشارة إلى الماء، كأنه تعالى يقول : الماء في الدنيا دون الطعام، فإذا كان نعيم الماء كوثراً، فكيف سائر النعيم وثالثها : أن نعيم الماء إعطاء ونعيم الجنة إيتاء ورابعها : كأنه تعالى يقول : هذا الذي أعطيتك، وإن كان كوثراً لكنه في حقك إعطاء لا إيتاء لأنه دون حقك، وفي العادة أن المهدي إذا كان عظيماً فالهدية وإن كانت عظيمة، إلا أنه يقال : إنها حقيرة أي هي حقيرة بالنسبة إلى عظمة المهدي له فكذا ههنا وخامسها : أن نقول : إنما قال فيما أعطاه من الكوثر أعطيناك لأنه