اعلم أنه تعالى لما بشره بالنعم العظيمة، وعلم تعالى أن النعمة لا تهنأ إلا إذا صار العدو مقهوراً، لا جرم وعده بقهر العدو، فقال :﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر﴾ وفيه لطائف إحداها : كأنه تعالى يقول : لا أفعله لكي يرى بعض أسباب دولتك، وبعض أسباب محنة نفسه فيقتله الغيظ وثانيها : وصفه بكونه شانئاً، كأنه تعالى يقول : هذا الذي يبغضك لا يقدر على شيء آخر سوى أنه يبغضك، والمبغض إذا عجز عن الإيذاء، فحينئذ يحترق قلبه غيظاً وحسداً، فتصير تلك العداوة من أعظم أسباب حصول المحنة لذلك العدو وثالثها : أن هذا الترتيب يدل على أنه إنما صار أبتر، لأنه كان شانئاً له ومبغضاً، والأمر بالحقيقة كذلك، فإن من عادى محسوداً فقد عادى الله تعالى، لاسيما من تكفل بإعلان شأنه وتعظيم مرتبته ورابعها : أن العدو وصف محمداً عليه الصلاة والسلام بالقلة والذلة، ونفسه بالكثرة والدولة، فقلب الله الأمر عليه، وقال العزيز من أعزه الله، والذليل من أذله الله، فالكثرة والكوثر لمحمد عليه السلام، والأبترية والدناءة والذلة للعدو، فحصل بين أول السورة وآخرها نوع من المطابقة لطيف.
المسألة الخامسة :
اعلم أن من تأمل في مطالع هذه السورة ومقاطعها عرف أن الفوائد التي ذكرناها بالنسبة إلى ما استأثر الله بعلمه من فوائد هذه السورة كالقطرة في البحر.