والمعتزلة لم يجوزوا ذلك لزعمهم أن فيه مفسدة وهو إيجاب النفرة نعم من أصولهم وجوب التعبد العقلي بالنظر في آيات الله تعالى وأدلة توحيده سبحانه ومعرفته عز وجل ولا يمكن أن يخل ﷺ بذلك وفي "الكشف" العبادة قد تطلق على أعمال الجوارح الناقعة على سبيل القربة فالإيمان والنية والإخلاص شروط ومنه لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد واختلف أنه عليه الصلاة والسلام كان متعبداً بهذا المعنى قبل نبوته بشرع أولاً فميل الإمام فخر الدين وجماعة من الشافعية وأبي الحسين البصري وأتباعه إلى أنه ﷺ لم يكن متعبداً وأجابوا عن الطواف والتحنث وغيرهما من المكارم أنها لا تحرم من غير شرع حتى يقال الآتي بها لا بد أن يكون متعبداً بل هي من اقتضاء العادات المستمرة والمكارم الغريزية دون نظر إلى قربة والزمخشري اختار ذلك القول وعليه بنى تفسيره وقد ظهر أنه لم يخالف أصله في وجوب التعبد العقلي بالنظر في الآيات وأدلة التوحيد والمعرفة ثم قال والظاهر حمل ما أعبد على إفادة الاستمرار والتصوير على أنهم ما كانوا ينكرون ما كان عليه ﷺ فيما مضى عبادة كانت أولاً بل كانوا يعظمونه ويلقبونه بالأمين إنما كان المنكر ما كان عليه بعد النبوة فلذلك قيل ثانياً ولا أنتم عابدون ما أعبد إذ لو قيل ما عبدت لم يطابق المقام وفيه أن ما كانوا يتوهمونه من موافقته عليه الصلاة والسلام قبل النبوة لم يكن صحيحاً بل إنما كان ذلك لأنه لم يكن ﷺ مأموراً بالدعوة انتهى فتدبره وزعم بعضهم أن تغاير الأساليب في هذه السورة لتغاير أحوال الفريقين وليس بشيء وفي تكليف مثل هؤلاء المخاطبين بما ذكر على القول بإفادته الاستمرار على الكفر بالإيمان بحث مذكور في كتب الأصول إن أردته فارجع إليه وسيأتي إن شاء الله تعالى في سورة تبت إشارة ما إلى ذلك وقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon