﴿ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ ﴾ أي : فيما تستقبلون أبداً ﴿ مَا أَعْبُدُ ﴾ أي : فيما أستقبل ﴿ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾ أي : الآن وفيما أستقبل، هكذا فسره الإمام ابن جرير رحمه الله، ثم قال : وإنما قيل ذلك كذلك، لأن الخطاب من الله كان لرسول الله ﷺ في أشخاص بأعيانهم من المشركين، قد علم أنهم لا يؤمنون أبداً، وسبق لهم ذلك في السابق من علمه، فأمر نبيه ﷺ أن يؤيسهم من الذين طمعوا فيه وحدَّثوا به أنفسهم. وإن ذلك الغير كائن منه ولا منهم في وقت من الأوقات. وآيس نبي الله ﷺ مع الطمع في إيمانهم، ومن أن يفلحوا أبداً، فكانوا كذلك لم يفلحوا ولم ينجحوا، إلى أن قتل بعضهم يوم بدر بالسيف، وهلك بعضٌ قبل ذلك كافراً. ثم روى رحمه الله عن ابن إسحاق عن سعيد بن مينا قال : لقي الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وأمية بن خلف رسولَ الله ﷺ فقالوا : يا محمد ! هلم، فلنعبد ما تعبد وتعبدَ ما نعبد، ونشركك في أمرنا كله، فإن كان الذي جئت به خيراً مما بأيدينا، كنا قد شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه، وإن كان الذي بأيدينا خيراً مما في يديك كنت قد شركتنا في أمرنا واخذ منه بحظك ؛ فأنزل الله ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ السورة، وفي رواية : وأنزل الله في ذلك هذه السورة، وقوله :﴿ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ ﴾ ﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ ﴾ [ الزمر : ٦٤ - ٦٦ ]، انتهى.