ومن أجل ذلك كان حرف ( لَن ) مفيداً تأكيد النفي في المستقبل زيادة على مطلق النفي، ولذلك قال الخليل : أصل ( لَن ) : لا أنْ، فلما أفادت ( لا ) وحدها نفي المستقبل كان تقدير ( أنْ ) بعد ( لا ) مفيداً تأكيد ذلك النفي في المستقبل فمن أجل ذلك قالوا إن ( لن ) تفيد تأكيد النفي في المستقبل فعلمنا أن ( لا ) كانت مفيدة نفي الفعل في المستقبل.
وخالفهم ابن مالك كما في "مغني اللبيب"، وأبو حيان كما قال في هذه السورة، والسهيلي عند كلامه على نزول هذه السورة في "الروض الأنف".
ونفي عبادته آلهتهم في المستقبل يفيد نفي أن يعبدها في الحال بدلالة فحوى الخطاب، ولأنهم ما عرضوا عليه إلا أن يعبد آلهتهم بعد سنة مستقبلة.
ولذلك جاء في جانب نفي عبادتهم لله بنفي اسم الفاعل الذي هو حقيقة في الحال بقوله :﴿ ولا أنتم عابدون ﴾، أي ما أنتم بمغيِّرين إشراككم الآن لأنهم عرضوا عليه أن يبتدِئوا هُم فيعبدوا الرب الذي يعبده النبي ﷺ سنة.
وبهذا تعلم وجه المخالفة بين نظم الجملتين في أسلوب الاستعمال البليغ.
وهذا إخباره إياهم بأنه يعلم أنهم غير فاعلين ذلك من الآن بإنباء الله تعالى نبيئه ﷺ بذلك فكان قوله هذا من دلائل نبوءته نظير قوله تعالى :﴿ فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ﴾ [ البقرة : ٢٤ ] فإن أولئك النفر الأربعة لم يُسلم منهم أحد فماتوا على شركهم.
ومَا صدقُ ﴿ ما أعبد ﴾ هو الله تعالى وعبر بـ ﴿ ما ﴾ الموصولة لأنها موضوعة للعاقل وغيره من المختار وإنما تختص ( مَن ) بالعاقل، فلا مانع من إطلاق ( ما ) على العاقل إذا كان اللبس مأموناً.
وقال السهيلي في "الروض الأنف" : إن ( ما ) الموصولة يؤتى بها لقصد الإِبهام لتفيد المبالغة في التفخيم كقول العرب : سبحان ما سَبَّح الرعد بحمده، وقوله تعالى :﴿ والسماء وما بناها ﴾ كما تقدم في سورة الشمس ( ٥ ).
وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤)