وجيء بالفعل الماضي في قوله :﴿ ما عبدتم ﴾ للدلالة على رسوخهم في عبادة الأصنام من أزمان مضت، وفيه رمز إلى تنزهه ﷺ من عبادة الأصنام من سالف الزمان وإلا لقال : ولا أنا عابد ما كُنا نعبد.
وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥)
عطف على جملة :﴿ ولا أنا عابد ما عبدتم ﴾ [ الكافرون : ٤ ] لبيان تمام الاختلاف بين حاله وحالهم وإخبار بأنهم لا يعبدون الله إخباراً ثانياً تنبيهاً على أن الله أعلمه بأنهم لا يعبدون الله، وتقويةً لدلالة هذين الإِخبار على نبوءته ﷺ فقد أخبر عنهم بذلك فماتَ أولئك كلهم على الكفر وكانت هذه السورة من دلائل النبوءة.
وقد حصل من ذكر هذه الجملة بمثل نظيرتها السابقة توكيد للجملة السابقة توكيداً للمعنى الأصلي منها، وليس موقعها موقع التوكيد لوجود واو العطف كما علمت آنفاً في قوله :﴿ ولا أنا عابد ما عبدتم ﴾.
ولذلك فالواو في قوله هنا :﴿ ولا أنتم عابدون ما أعبد ﴾ عاطفة جملة على جملة لأجل ما اقتضته جملة :﴿ ولا أنتم عابدون ما أعبد ﴾ من المناسبة.
ويجوز أن تكون جملة ﴿ ولا أنتم عابدون ما أعبد ﴾ تأكيداً لفظياً لنظيرتها السابقة بتمامها بما فيها من واو العطف في نظيرتها السابقة وتكون جملة :﴿ ولا أنا عابد ما عبدتم ﴾ معترضة بين التأكيد والمؤكد.
والمقصود من التأكيد تحقيق تكذيبهم في عَرضهم أنهم يعبدون رب محمد صلى الله عليه وسلم
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦)
تذييل وفذلكة للكلام السابق بما فيه من التأكيدات، وقد أُرسل هذا الكلام إرسالَ المثل وهو أجمع وأوجز من قول قيس بن الخطيم :
نَحْن بما عندنا وأنتَ بما
عنْدك راض والرأي مختلف...
ووقع في "تفسير الفخر" هنا :"جرت عادة الناس بأن يتمثلوا بهذه الآية عند المتاركة وذلك غير جائز لأنه تعالى ما أنزل القرآن ليتمثل به بل ليتدبَّر فيه ثم يعمل بموجبه" ا ه.


الصفحة التالية
Icon