واختلف الناسُ : هل التَّكرارُ في هذه السورةِ للتأكيد أم لا؟ وإذا لم يكنْ للتأكيدِ فبأيِّ طريقٍ حَصَلَتِ المغايرةُ حتى انتفى التأكيدُ؟ ولا بُدَّ مِنْ إيرادِ أقوالِهم في ذلك فقال جماعة : هو للتوكيدِ. فقولُه ﴿ وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾ تأكيدٌ لقولِه ﴿ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ وقوله :﴿ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ﴾ ثانياً توكيدٌ لقولِه ﴿ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ﴾ أولاً، ومثلُه قولُه ﴿ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [ الرحمن : ١٣ ] و ﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾ [ المرسلات : ١٥ ] في سورتَيْهما، و ﴿ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [ التكاثر : ٣٤ ] و ﴿ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ﴾ [ النبأ : ٤٥ ]. وفي الحديث :" فلا آذَنُ ثم لا آذَنُ، إنما فاطمةُ بَضْعَةٌ مني " قال الشاعر :
٤٦٦٣ هَلاَّ سَأَلْتَ جنودَ كِنْ | دَةَ يومَ وَلَّوْا أين أَيْنا |
وقال آخر :٤٦٦٤ يا علقمَهْ يا عَلْقَمَهْ يا علقَمَهْ | خيرَ تميمٍ كلِّها وأكرمَهْ |
وقال آخر :٤٦٦٥ يا أقرعُ بنَ حابسٍ يا أقرعُ | إنك إن يُصْرَعْ أخوكَ تُصْرَعُ |
وقال آخر :٤٦٦٦ ألا يا اسْلَمي ثُمَّ اسْلَمي ثُمَّتَ اسْلَمي | ثلاثُ تحيَّاتٍ وإن لم تَكَلَّمِ |
وقال آخر :٤٦٦٧ يا لَبَكْرٍ أَنْشِرُوا لي كُلَيْباً | يا لَبَكْرٍ أينَ أينَ الفِرارُ |
قالوا : والقرآنُ جاء على أساليبِ كلامِ العربِ. وفائدةُ التوكيد هنا قَطْعُ أَطْماعِ الكفارِ وتحقيقُ الإِخبارِ بموافاتِهم على الكفرِ، وأنّهم لا يُسْلِمون إبداً.