وقال الزمخشريُّ :" لا أعبدُ أُريد به العبادةُ فيما يُسْتقبل ؛ لأنَّ " لا " لا تدخُلُ إلاَّ على مضارع في معنى الاستقبال، كما أنَّ " ما " لا تدخُلُ إلاَّ على مضارعٍ في معنى الحال. والمعنى : لا أفعلُ في المستقبل ما تَطْلبونه مني مِنْ عبادةِ آلهتِكم، ولا أنتم فاعلونَ فيه ما أَطْلُبُه منكم مِنْ عبادةِ إلهي، ولا أنا عابدٌ ما عبَدُتُمْ، أي : وما كنتُ قطُّ عابداً فيما سَلَفَ ما عبدتُمْ فيه، يعني ما عُهِدَ مني قَطُّ عبادةُ صنم في الجاهلية. فكيف ترجى مني في الإِسلامِ؟ ولا أنتم عبادون ما أعبدُ، أي : وما عبَدْتُمْ في وقتٍ ما أنا على عبادتِه. فإنْ قلتَ : فهلاَّ قيل : ما عَبَدْتُ كما قيل ما عبدتُمْ. قلت : لأنهم كانوا يَعْبُدون الأصنامَ قبل المَبْعَثِ، وهو لم يَكُنْ يعبدُ اللَّهَ تعالى في ذلك الوقتِ. فإن قلت : فلِمَ جاء على " ما " دونَ مَنْ؟ قلت : لأنَّ المرادَ الصفةُ كأنه قيل : لا أعبدُ الباطلَ، ولا تعبدون الحقَّ. وقيل : إن " ما " مصدريةٌ، أي : لا أعبد عبادتَكم ولا تعبُدون عبادتي " انتهى. يعني بقولِه " لأن المرادَ الصفةُ " يعني أنه أريدُ ب " ما " الوصفُ، وقد قَدَّمْتُ تحقيقَ هذا قريباً في سورةِ والشمس وضحاها، واعتراضَ الشيخِ عليه، والجوابَ عنه، وأصلُه في سورة النساء عند قوله :﴿ فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء ﴾ [ النساء : ٣ ].
وناقشه الشيخ هنا فقال :" أمَّا حَصْرُه في قولِه :" لأن " لا " لا تَدْخُل " إلى آخره. وفي قوله :" كما أن " ما " لا تَدْخُلُ " إلى آخرِه ؛ فليس بصحيحٍ، بل ذلك غالِبٌ فيها لا مُتحتِّمٌ.


الصفحة التالية
Icon