كما بكى عمر ـ رضى الله عنه ـ عند نزول آية المائدة، وعلل بهذا - والله الهادي، وقد ظهر بهذا أن حاصلها الإيذان بكمال الدين ودنو الوفاة لخاتم النبيين، والنصر على جميع الظالمين الطاغين الباغين، وذلك من أعظم مقاصد المائدة، المناظرة لهذه في التطبيق بين البادئة والعائدة، كما أشار إليه قوله تعالى :﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾ [ الأنعام : ٣ ] وقوله تعالى :﴿ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون﴾ [ المائدة : ٥٦ ] وقوله تعالى :﴿لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير﴾ [ المائدة : ١٢٠ ] ومن أعظم لطائف هذه السورة ودقيق بدائعها ولطيف منازعها أن كلماتها تدل بأعدادها على أمور جليلة وأسرار جميلة، فإنها تسع عشرة كلمة، وقد كان في سنة تسع عشرة من الهجرة موت قيصر طاغية الروم، وذلك أن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه لما فتح الإسكندرية قال قيصر : لئن غلبونا على الإسكندرية لقد هلكت الروم، فتجهز ليباشر قتالهم بنفسه، فعندما فرغ من جهازه صرعه الله فمات وكفى الله المسلمين شره، وذل الروم بذلك ذلاً كبيراً، واستأسدت العرب، وفي هذه السنة أيضاً فتح الله قيسارية من بلاد الشام فلم يبق بالشام أقصاها وأدناها عدو، وفرح المسلمون بذلك فرحاً شديداً، وكان فيها أيضاً فتح جلولاء، من بلاد فارس، وكان فتحها يسمى فتح الفتوح، لأن الفرس لم ينجبروا بعده، هذا إن عددنا ما يوازي كلماتها من سنة الهجرة، وإن عددنا من سنة نزول السورة في سنة عشر فقد فتحت سنة تسع وعشرين من الهجرة - وهي التاسعة عشرة من نزولها - مدينة اصطخر، واشتد ضعف الفرس، وأمر ملكهم يزدجرد واجتهاده في الهرب من العرب حتى قتل سنة إحدى وثلاثين من الهجرة بعد ذلك بسنتين، وذلك هو العد الموازي لعد كلماتها ظواهر وضمائر مع كلمات البسملة، وإذا نظرت إلى ما هنا من هذا وطبقت بينه وبين ما ذكر في سورة الفتح من مثله زاد


الصفحة التالية
Icon