السؤال الثاني : أن رسول الله ﷺ كان أبداً منصوراً بالدلائل والمعجزات، فما المعنى من تخصيص لفظ النصر بفتح مكة ؟ والجواب : من وجهين أحدهما : المراد من هذا النصر هو النصر الموافق للطبع، إنما جعل فظ النصر المطلق دالاً على هذا النصر المخصوص، لأن هذا النصر لعظم موقعه من قلوب أهل الدنيا جعل ما قبله كالمعدوم، كماأن المثاب عند دخول الجنة يتصور كأنه لم يذق نعمة قط، وإلى هذا المعنى الإشارة بقوله تعالى :﴿وَزُلْزِلُواْ حتى يَقُولَ الرسول والذين ءامَنُواْ مَعَهُ متى نَصْرُ الله﴾ [ البقرة : ٢١٤ ] وثانيهما : لعل المراد نصر الله في أمور الدنيا الذي حكم به لأنبيائه كقوله :﴿إِنَّ أَجَلَ الله إِذَا جَاء لاَ يُؤَخَّرُ﴾ [ نوح : ٤ ]
السؤال الثالث : النصر لا يكون إلا من الله، قال تعالى :﴿وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله﴾ [ آل عمران : ١٢٦ ] فما الفائدة في هذا التقييد وهو قوله :﴿نَصْرُ الله﴾ ؟ والجواب معناه نصر لا يليق إلا بالله ولا يليق أن يفعله إلا الله أو لا يليق إلا بحكمته ويقال : هذا صنعة زيد إذا كان زيد مشهوراً بإحكام الصنعة، والمراد منه تعظيم حال تلك الصنعة، فكذا ههنا، أو نصر الله لأنه إجابة لدعائهم :﴿متى نَصْرُ الله﴾ فيقول هذا الذي سألتموه.
السؤال الرابع : وصف النصر بالمجيء مجاز وحقيقته إذا وقع نصر الله فما الفائدة في ترك الحقيقة وذكر المجاز ؟ الجواب فيه إشارات : إحداها : أن الأمور مربوطة بأوقاتها وأنه سبحانه قدر لحدوث كل حادث أسباباً معينة وأوقاتاً مقدرة يستحيل فيها التقدم والتأخر والتغير والتبدل فإذا حضر ذلك الوقت وجاء ذلك الزمان حضر معه ذلك الأثر وإليه الإشارة بقوله :


الصفحة التالية
Icon