فحينئذ ثبت أنهم كانوا مقلدين، ومما يؤكذ ما ذكرنا ما روى عن الحسن أنه قال : لما فتح رسول الله مكة أقبلت العرب بعضها على بعض فقالوا : إذا ظفر بأهل الحرم وجب أن يكون على الحق، وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل، وكل من أرادهم بسوء ثم أخذوا يدخلون في الإسلام أفواجاً من غير قتال، هذا ما رواه الحسن، ومعلوم أن الاستدلال بأنه لما ظفر بأهل مكة وجب أن يكون على الحق ليس بجيد، فعلمنا أنهم ما كانوا مستدلين بل مقلدين.
المسألة الرابعة :
دين الله هو الإسلام لقوله تعالى :﴿إِنَّ الدّينَ عِندَ الله الإسلام﴾ [ آل عمران : ١٩ ] ولقوله :﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [ آل عمران : ٨٥ ] وللدين أسماء أخرى، منها الإيمان قال الله تعالى :﴿فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ المؤمنين فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مّنَ المسلمين﴾ [ الذاريات : ٣٥، ٣٦ ] ومنها الصراط قال تعالى :﴿صراط الله الذى لَهُ مَا فِى السموات وَمَا فِي الارض﴾ [ الشورى : ٥٣ ] ومنها كلمة الله، ومنها النور :﴿لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله﴾ [ الصف : ٨ ] ومنها الهدي لقوله :﴿يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاء﴾ [ الأنعام : ٨٨ ] ومنها العروة :﴿فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى﴾ [ لقمان : ٢٢ ] ومنها الحبل :﴿واعتصموا بِحَبْلِ الله﴾ [ آل عمران : ١٠٣ ] ومنها صبغة الله، وفطرة الله، وإنما قال :﴿فِى دِينِ الله﴾ ولم يقل : في دين الرب، ولا سائر الأسماء لوجهين الأول : أن هذا الاسم أعظم الأسماء لدلالته على الذات والصفات، فكأنه يقول : هذا الدين إن لم يكن له خصلة سوى أنه دين الله فإنه يكون واجب القبول والثاني : لو قال : دين الرب لكان يشعر ذلك بأن هذا الدين إنما يجب عليك قبوله لأنه رباك، وأحسن إليك وحينئذ تكن طاعتك له معللة بطلب النفع، فلا يكون الإخلاص حاصلاً، فكأنه يقول أخلص الخدمة بمجرد أني إله لا لنفع يعود إليك.